الأربعاء، 30 مارس 2011

الأربعاء الثالث عشر - حياة إنسان عربي كوفلية - خوف - كفن




في البدء ... مجرد رضيع كبقية أقرانه، ملفوف بـ(كوفلية) بيضاء، وعلى الغصن المقابل لنافذة الغرفة التي ولدت بها، ثمة يرقة ملفوفة بشرنقة بيضاء، تكبر اليرقة، ثم تخرج من الشرنقة فراشة تطير، أما أنا فأسقط من (الكوفلية) لأحبو على أربعة، حالي حال بقية الزملاء من الفقاريات !!


حدثتني أمي عن شقاوتي أيام الحبو، قالت لي : " كنت كثير الحركة سرعان ما تختفي عن أنظاري، وبعد بحث مطول عنك تنهار فيه أعصابي، أجدك أسفل سرير، أو داخل البوفيه ! وكانت لك هوايات غريبة كالعبث بـ"أباريز" الكهرباء، ولكن قلبي لم يطاوعني يوما لأصفعك على يدك حتى ترتدع، فأوكلت تلك المهمة العسكرية لأبيك ... تجهم وجه أبيك حتى صار معقود الحاجبين، ثم دنا منك وقال : ( كع ... كع) ومنذئذ وأنت تتحاشى حتى النظر إلى تلك "الأباريز" ! !


ولا غرو أن خوفي من الاقتراب أو النظر إلى تلك "الأباريز" كان خشية أن يخرج وجه أبي المتجهم منها، ولكن تلك الـ(كع) التي رافقت مشهد الردع استقرت في داخلي وصارت شرطيا يرافقني في حلي وترحالي. كبرت قليلا ... وغدوت أمشي على اثنتين، كان نشاطي زائدا، لا أعرف الاستقرار على مقعد، كنت أقفز هنا وهناك، على الأريكة، على طاولة السفرة، كنت مصدر إزعاج حقيقي، ولما بلغت الأمور حدا لا يطاق بالنسبة لوالدي الذي يحب الهدوء، هددني بـ(العو)، حتى تخيلت أن الـ(العو) سيقضم قدمي إذا ما امتطيت الأريكة، أو إذا ما قفزت فوق طاولة السفرة، وهكذا صرت أعد الألف قبل الإقدام على فعل أي شيء، وكبر هذا الشرطي الذي يقبع في داخلي، فقد صار مزيجا من (الكع) و (العو) !!


دخلت المدرسة ... ولم تكن الأمور على قدر كبير من السوء في المرحلة الابتدائية، فكل المعلمات كن لطيفات معي لولا معلمة اللغة العربية السمينة التي كانت علاوة على ضربنا بيدها الغليظة والتي يتساوى حجمها بحجم فخذ العجل، تقوم بتهديدنا بوضعنا في غرفة الفئران، حتى صار جل همنا العثور على تلك الغرفة، ولأننا لم نجدها، فقد راح خيالنا الطفولي يزيدها رعبا !!


يا لحظي العاثر حتى في صباي ... فحصة اللغة العربية كانت يومية، لذلك كان علي أن اصطبح بتلك المعلمة السمينة كل يوم، وفي بعض الأيام أصطبح وأمسي ! ... لهذا صار جرس نهاية الدوام المدرسي الترنيمة الأحب إلى قلبي !!


ولكن ... ما كل ما يتمناه المرء يدركه، ففي ذلك البيت الذي كنت أبغيه جنة هروبي من يد المعلمة السمينة، ستكون جدتي في انتظاري، وستجبرني في كل يوم على تناول الأكلات التي كانت تعدها، أكلات من مثل (مسخن – مقلوبة – فول أخضر) وذلك حتى أنمو وأكبر على حد زعمها، وكم كنت أكره تلك الأكلات، ولكني كنت أرضخ لرغبات جدتي تحت التهديد باستدعاء (الغول) لتأديبي، ولأني لست على سابق معرفة بالمدعو (غول) فقد أخذت ريشة الخيال ترسم ملامحه، وأخيرا تخيلته رجلا ضخما مخيف برأس (عو) !! انتهت المرحلة الابتدائية، مخلفة في داخلي شرطي جسده جسد (غول) وذراعه (كع) ورأسه رأس (عو) !!
ملل ... ملل ... ملل
ماذا أفعل في هذه العطلة الصيفية التي تفصلني عن المرحلة الإعدادية ؟ ولماذا لا أملك دراجة هوائية أزجي بها ساعات النهار الطويلة كبقية أقراني ؟ وهكذا قررت أن أحدث والدي بالأمر، ولكن والدتي ما أن سمعت بكلمة (دراجة) حتى وضعت يدها على قلبها واستعاذت من الشيطان ثلاثا، وراحت تسرد علينا قصص صبية قضوا تحت عجلات السيارات وهم في عمر الزهور، وللحقيقة ... فأن أمي معها كل الحق في هذا، فقد رأيت أنا أيضا كيف أن الشارع كان آخر مكان وطئته قدما ابن جيراننا قبل أن تقذفه سيارة مسرعة إلى الدارالآخرة، وذلك على الرغم من أنه كان ماشيا بتأن على قدميه، فماذا أقول أنا الذي كنت أحلم بدراجة أسابق بها الرياح، صار الشارع (بعبع) حقيقيا بالنسبة إلى، فأنا لا أعرف (الغول) ولا (الكع) ولا (العو) ورغم هذا فأني أحذرهم حذرا شديدا، فما بالكم بالشارع الذي رأيته وهو يقتلع طفلا صغيرا من الحياة ؟ّ!


ولكن ... للحلول الوسط دائما مكان، لذلك عاهدت أبي وأمي أن أمشي بالدراجة فوق الرصيف فقط، وأخيرا ...وبعد جهد جهيد أقتنع الوالدان وهاهي دراجة الـ(بي ام اكس )الزرقاء خارجا بانتظاري ليبدأ عهد جديد من المغامرات والمرح الطفولي، ولو أن خروجي من باب الحديقة على الدراجة كان يتطلب بعض "البروتوكولات"، ذلك أن العهد الذي قطعته أمام أمي بالتزام السير على الرصيف لم يمنعها من قراءة المعوذات وأية الكرسي وتحويطي بالله وملائكته عند كل مغادرة !!


ولكن ... لماذا تطاردني ابنة الجيران "تغريد" بنظرات متحسرة كلما مررت ممتطيا دراجتي الزرقاء من أمام بيتها ؟ لا بد أن "تغريد" فقيرة مثل بائعة الكبريت أو "كوزيت" اليتيمة التي ظهرت في رواية البؤساء، هذا ما أملاه علي خيالي الطفولي وقتها، ولأنني كنت معجبا بشجاعة " جان فال جان"، عرضت عليها أن تقود الدراجة (شوط) وأنا (شوط) آخر، لكنها امتنعت لعدم معرفتها فن قيادة الدراجات، فهي لم تفعل ذلك من قبل، ولكن هذا الولد الذي كنته في ذلك الزمان المقتدي بـ"جان فال جان" والمصر على إٍسعاد "تغريد" أسوة بمثله الأعلى "جان" لم يكن ليرفع الراية البيضاء بتلك السهولة، جعلت "تغريد" أمامي، أمرتها بالتمسك جيدا بالمقود، أحكمت السيطرة على الدراجة، وانطلقنا ... كان الهواء منعشا رطبا، وشعر "تغريد" الحريري يتطاير على وجهي، ورائحته الزكية تعبق في أنفي، كان شعورا رائعا، جعلني أعرف حينها، لماذا غنى "عبد الحليم" أغنيته الشهيرة "حاجة غريبة" عندما ركب الدراجة برفقة "شادية"
... دورة ... دورتين ... ثلاث، وعلى مايبدو أنني لن أنتهي من الدوران، فشعر "تغريد" برائحته الزكية يجعلني خارج الزمان والمكان، وأنا الأن مغمض العينين، وقدماي تتحركان بشكل آلي، ولكن صراخ "تغريد" يقطع الحلم، أحذر ... أحذر ... أحذر أفتح عيني لأرى أمامي مباشرة البقال (ابوراتب)، ظهره إلينا وهو يدخل صناديق "البيبسي" إلى داخل دكانه، وبسرعة يستدير "ابوراتب" بكرشه الكبير نحونا بسبب صراخ "تغريد" _ يا للشيطان ! من أين ظهر هذا الـ"ابو راتب" ليقطع حلمي !! ولكن "ابو راتب" يتسمر في مكانه من هول المفاجأة، الفرامل ... ولكنها لا تعمل ... اللعنة، ثم يتسارع الزمن فجأة، يقترب (الكرش)، يكبر ... يكبر ... حتى تصبح الدنيا كلها (كرش) ... كرااااااك ...، كل ما أذكره من تلك اللحظة الرهيبة، أن الناس كانوا يحاولون سحب رأسي أنا و "تغريد" من (صرة) العم "ابو راتب" !!


هكذا يكون مصير ولد طيب غلب الجانب الخيالي على الجانب الواقعي من عقله ( أن يعلق في صرة ابو راتب) !! هذا ما جناه "فيكتور هوغو" علي، فكيف ظننت يومها أن "تغريد" فقيرة ولا تملك ثمن الدراجة وهي التي كانت تسكن في الـ"فيلا" المقابلة لبيتنا، ولكنه خيالي الأحمق، وتعلقي بـ"جان"، ولم أكتشف إلا متأخرا أن السبب في عدم شراء أهل "تغريد" دراجة هوائية لها هو خوفهم على غشاء طهارتها، ذلك الغشاء الذي تعد سلامته في الشرق أهم من سلامة القلب !!


أنها المرحلة الاعدادية ... وها أنذا أدخل من باب المدرسة الخارجي، لأشاهد الأعداد المهولة من الطلاب، اصطف في الطابور الصباحي مع المصطفين، أدخل إلى مبنى المدرسة المصنوع من مادة "الإسبست" المسقوف بـ(الزينكو) والذي يشبه معتقلات الإتحاد السوفيتي السابق، أدخل غرفة الصف، المقاعد مهترئة وتفوح منها رائحة العراقة والتاريخ، مما يضطرني لتصحيح اعتقادي بأن عهد المدرسة عائد إلى روسيا القيصرية وليس إلى جمهورية الإتحاد، أجلس على مقعد أيل للسقوط، يتقاسم المقعد معي ولد شاحب الوجه، أصفر البشرة، وعلى ما يبدو أنه مصاب بكل الأمراض السارية والمزمنة، الأمر الذي يذكرني بمعاناة شعوب الدول الشمولية، ولكن خيالي الطفولي يحاول إقناعي أن هذة المدرسة القائمة من عهد روسيا القيصرية حتى اليوم، جلس على مقاعدها كل الأدباء الذين تعلقت بهم في طفولتي، كل نجوم الأدب الروسي مروا من هنا، القديم منهم والمعاصر، ... ثم أدخل في نوبة من الضحك سرعان ما تتحول إلى هستيريا عندما أتخيلهم في مثل عمري يرتدون الزي المدرسي الأزرق، ولم تنبت لحاهم التي صارت طويلة وعظيمة فيما بعد
قه .. قه .. قه .. قه
ولكن أفعة بيضاء تسقط على ظهري أثناء قهقهتي تسلخ جلدي عن عظمي، ولم تكن تلك الأفعى إلا عصا أستاذ التاريخ الذي لفها بـ"تب" أبيض حتى تزداد فاعليتها، وياألهي الرحيم ... ما أفطع هذا الأستاذ، ضخم ومظهره قميء، أنه الـ(الغول)، نعم أستاذ التاريخ (غول) حقيقي، أخيرا رأيت الغول على أرض الواقع، لهذا ألتزم الصمت طوال المرحلة الإعدادية خشية مواجهة غير متكافئة مع ذلك الأستاذ المرعب كي لا يقوم بترقيص أفعته البيضاء فوق جسدي ... حتى الأنفاس، كنت أحسب لها ألف حساب


كبرت ... وكبر خوفي معي، بل كبر هذا الشرطي الذي في داخلي، ولكني عبرت المرحلتين الإعدادية والثانوية بسلام وهدوء مفرطين، لألتحق بعدها بالجامعة، وفي بلادنا التي تعج بالأحداث السياسية، لا بد لك من اتجاه تتبنى معتقداته، فمرة تجدني مع الأخوان، ومرة تجدني مع اليسارين، ومرة مع الليبراليين، ولكن قلبي استقر عند اليساريين، قلبي وليس عقلي، ذلك أن اليساريات كن جميلات و(فايعات)، وقد كنت أذهب بمعيتهن إلى المقاهي لنقاش آخر تطورات الثورات القائمة في كل نواحي العالم، ولكن زمن النراجيل والنقاشات لم يلبث حتى ولى مبكرا، وذلك تحت تهديدات والدي بمنعي من كافة حقوقي المالية إن لم أمتنع عن هذه الرفقة، فقد قال لي أن مصير أي إنسان عربي مهتم بالسياسة أن يرسل إلى (بيت خالتو)، ولم أفهم قصد أبي يومئذ فخالتي إمرأة طيبة تروقني، ولكني بعد ذلك فهمت هذا المجاز عندما رأيت أحد الرفاق وقد تورمت عيناه بسبب (التبكيس) الذي قوبل به في بيت خالته، لذلك ... خطبت في أصدقائي اليسارين خطبة رنانة أبرر فيها انسحابي، وقفت على الكرسي وقلت لهم " أترككم اليوم بجسدي وقد تركت روحي عندكم"، وأقنعتهم بأني في حاجة لوقفة مع الذات حتى أزيد قناعاتي اليسارية يسارا، وهكذا هربت إلى البيت. حتى أنني قطعت العلاقة بخالتي الطيبة، من باب ( الباب اللي بيجيك منو الريح سدو واستريح) !!


ها قد بلغت من العمر ثلاثين ... ثلاثون عاما من الرعب، حفرها في وجداني وروحي ونفسي وعقلي شخصيات غريبة (الغول) – (العو) – معلمة اللغة العربية السمينة – أستاذ التاريخ – ( خالتو)، وهذا الشرطي الساكن في صار متحكما بكل سكناتي وحركاتي، عندي رهاب من كل شيء ... من كل شيء، حتى في العمل، أتحاشى النظر إلى أي أحد، فالوضع لا يحتمل أن أتعرف شيئا جديدا، فقد سمعت مرة أن هناك (بعبع) آخر في مصر يدعى ( ابو رجل مسلوخة) !! وفي الشارع أمشي (الحيط بالحيط) وأدعوا الله الستر. زوجوني ... زوجوني بإمرأة أشد مني رعبا، فقد تربت مثلي في هذه البلاد، فكان الله في عون أولادنا القادمين، ولكن ولله الحمد فأن الله لم يرزقنا بالأولاد، وذلك في حكمة منه حتى تنتهي تلك السلالة المرعوبة !!


ولما استبد الخوف بي، وصار ظاهرا جليا للجميع، نصحني أحد الأصدقاء بزيارة طبيب نفسي قبل استفحال الحالة، ولكن رفضت بشدة، فزيارة الطبيب النفسي في بلادي تعني أنك مصاب بالجنون، كما أن الطبيب النفسي كان ولا زال موضع التندر في الأفلام والمسلسلات العربية، فقد صورواه لنا برجل عصابي شعره (منكوش وطويل)، وصوته غير منتظم، لا يلبث أن ينخفض حتى يعلوا فجأة !! أنا أضعف من أن أجلس وحدي مع هذا الشخص المريب المرعب في غرفة مغلقة الأبواب والنوافذ !!


لا يؤلم الجرح إلا من به ألم، والأنسان طبيب نفسه، عرفت دائي أخيرا، وعلاجي يكمن في تغير كل معتقداتي، لهذا يجب علي أن أبدأ حياة جديدة من الصفر، يجب أن لا أشاهد أي شيء يتعلق بالماضي المؤلم، يجب أن أهرب من كل ما يحيط بي من مشاهدات وعقليات وخرافات، أنا بحاجة لثورة تغير كتى أتعالج من داء الرعب المزمن. لذلك ... هاجرت وزوجتي إلى السويد في البداية ... تحسنت قليلا، لأن وجوه الناس هناك ليست متجهمة ومرعبة، كما أنه من غير الممكن أن تتشاجر مع أحد بسبب تبادل النظرات مثل ما كان يحدث هنا، حتى أن الناس لا يتبادلون النظرات في الشوارع، ولم أشاهد إمرأة تمشي برفقة ابنتها وقد راحوا ينظرون ويتحدثون بسخرية وتهكم عن فتاة مرت من جانبهما ترتدي بنطالا غريبا، ولكن أمرا ما قد حدث معي كان له الفضل في التعافي التام ... فمرة بينما كنت ماشيا في أحد الأسواق، رأيت تجمعا بشريا هائلا، ولكنني لم أقترب لأنني لا زلت أخاف من التجمعات، فقد كانت ممنوعة في بلدي لأكثر من شخص، ولكن الفضول غلب الرعب هذه المرة، كانت الجماهير الغاضبة تقذف رجلا بالبيض والطماطم، حتى أن أحدى الغاضبات قامت بخلع (زنوبتها) من قدمها ثم قذفتها باتجاه وجهه، وذهب الخيال الواسع بي إلى البعيد، فقد ظننت أن المسألة شخصية، حتى أنني فكرت في الاقتراب من الفتاة لأقول لها أن الأمر لا يستأهل أن تقذفيه بـ(الزنوبة) فلا زلتي صغيرة وألف رجل أفضل من هذا العجوز المهتريء (المكحكح) يتمناك، لكن القصة لم تكن كذلك، فهذا الرجل لم يكن إلا رئيس وزرائهم، وقد غضبوا منه لإقراره قانون ضريبي جديد، في بلداننا كانت الحكومات هي من تكيل علينا (الشباشب) بكافة أنواعها ( زنوبة _ بلاستيك _ مطاط)، أما هنا فالناس هم الذين يكيلون (الشباشب) على الحكومات، أي أن الأمور هنا معكوسة، ومن هذا القياس انطلقت، فالإنسان العادي البسيط هو المرعب هنا، أي أن (الغول) و(العو) وكل تلك الأساطير هي التي تخاف الإنسان، كما أن خالتي لا تمتلك أي بيت هنا، وحتى الشارع لا يقتلع الناس من حياتهم، فالناس هنا تقود وأعصابهم مرتخية، حتى أن رتلا كاملا من السيارات على استعداد للتوقف في حال عبور كلب للشارع، أنا مهما هنا، صرت قيما مرهوب الجانب،


أخيرا... عرفت ما معنى أن تكون أنسانا ... وأخيرا تعافيت ... فأين (الغول) و ( العو)، أين هم ... أنا لا أهاب أحدا. ولأنني تعافيت فقد عدت مأخوذا بالشأن العربي، وعدت لمتابعة برامجي المفضلة التي تتحدث عن الهم العربي، بل أنني من فرط الشجاعة قررت أن لا أنأى بنفسي عن عملية الإصلاح، فقد مللت لعب دور المتفرج، وهكذا أتصلت في برنامج منبر الجزيرة، وقلت فيه خطبة مدوية، ونمت مرتاح البال. في اليوم الذي تلا المكالمة، وبينما كنا نجلس أنا وزوحتي إلى مائدة الإفطار، رحت أحدثها عن خطبتي المدوية في برنامج منبر الجزيرة، وذلك حتى تتعافى هي الأخرى من رعبها، فلا زالت حالتها (الرعبية) سيئة، وأحمد الله أن اللغة السويدية كانت صعبة عليها، وإلا لكانت نقلت معتقداتها الخرافية المرعبة إلى السويديات، معتقدات من مثل ( قلب الشحاطة – عدم قص الأظافر ليلا) وغيرها من الخرافات التي تربت عليها، ولكنها ما أن سمعت بمغامرتي حتى بدأت باللطم على وجهها، لطم ترافق مع صراخ وعويل " انخرب بيتنا ... والله لا يشحططوك ... يا ويلي يا ويلي يا ويلي وياسواد ليلي)، وهنا أضطررت للاعتراف لها بالحقيقة حتى أهدىء من روعها، فقد قلت لها بأني استعملت اسما مستعارا ... (ابو وردة – السويد) ولكن الأمر ازداد سوء عندما قالت : "ماذا ... استعملت اسم أبو لاسم مؤنث كالأسماء التي يسمى بها الثوار أنفسهم ... آآآآآآه ... آآآآآآآه"، وهنا اضطررت الاعتراف بالحقيقة النهائية فقد قلت لها أني استخدمت اسم "ابو علي" كما أني قلت لهم بأني من كندا فصار الاسم (ابوعلي- كندا). نعم أعزائي قراء هذه القصة لا تلوموني لأني كذبت عليكم عندما قلت لكم أني تعافيت تماما من الخوف والرعب ... لا تنظروا إلي هكذا ... فأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، فهل تريدون من أنسان مسكون بالرعب أن يتعافى في يوم وليلة !!


نعم لم أبلغهم عن اسمي الحقيقي ولا عن مكان اقامتي الحقيقي قلت لهم بأني (ابوعلي – كندا) وفي كل ليلة ... كنت استيقظ على صراخ زوجتي التي كانت تقفز من نومها كالمصروعة بسبب الكوابيس التي كانت تباغتها، كوابيس تبعات الخطبة المدوية، ورحت أنا أهدىء من روعها في كل ليلة، وما أصعبها أن تكون رجلا مسكونا بالرعب وتتظاهر بالشجاعة أمام زوجتك الأشد منك رعبا حتى تواسيها، صعب ... صعب ... أن تلعب دور الشجاع وأنت ترضع الخوف طوال حياتك. لم يحدث شيء، ولم أذهب وراء الشمس كما كانت تظن زوجتي، ولكن زوجتي ماتت بسبب القلق والرعب !!


كنت أبكي أمام نعشها ... كنت حزينا على حياتها كبلوها في البداية بـ(الكوفلية)، ثم كبلوها بالخوف، وها هي الأن تكبل في كفن أبيض. مرت أعواما على وفاة زوجتي، والحي أبقى من الميت، لهذا قررت أن استأنف رحلة علاجي من مرض الخوف، الحمد لله فأنا أشعر الأن بأنني تعافيت تماما. ولكني ليلة أمس ... حلمت بالمرحومة زوجتي، وقد علموني أن الأموات عندما يأتوا لأحدهم في المنام، فذلك يعني أنهم يريدون أخذه معهم ... ولكني سرعان ما تذكرت جارنا "ابو صبري" الذي حلم منذ صباه بكافة أموات المسلمين، ولكنه عاش مئة واربعين سنة !!


ولكني خائف ... خائف
http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/

الأربعاء، 23 مارس 2011

الأربعاء الثاني عشر - كل عام وأنت حبيبتي






أتذكرين ... أتذكرين ذلك الصباح العفي الممتليء بأسباب البهجة، يومها قلت فيك غزلا ما قلته لامرأة من قبلك، ضحكتِ وسألتني ما إذا كنت قد نسيت لساني منقوعا بالسكر ليلة الأمس، فجاء ردي سريعا : " بل نسيته غافيا على خدك "، توردت وجنتاكي وقلتي : " لا تقصص ما قلت على امرأة غيري، نساء اليوم قلوبهن خفيفة"، ضحكت من قلبي وقلت : " على أساس أن قلبك فولاذي، وقد استحالت وجنتاكي تفاحا أمريكيا أحمر من شدة الخجل "" !!
لطالما اشتهيت أن أقضم خدك، لكني كنت مؤمنا بأن قلب المرأة على خدها، كنت أخاف على قلبك الذي ينبض بحروف اسمي !!

أحيانا ... يحدثني أصدقائي عن تفاني جبيباتهم، يقول أحدهم مثلا : " تصور أن حبيبتي تنازلت عن راتب شهر كامل لتشتري لي في يوم ميلادي هذه الساعة التي تزين معصمي "، فأرد عليه " تصور أن حبيبتي تجردت من كل أساورها الذهبية وتخففت من أقراطها يوم أحست أني في ضائقة "، فيقول : " ياسلام "، فأشرح له بأن ما يربطني بمحبوبتي حبلا سريا وليس محبسا معدنيا !!

غريب أمرك يا حبيبتي ... فأنا المعروف بنزقي وحرارة دمائي، حتى أنها تكاد تحرق عروقي، أكثر ما يطيب لي سخريتك علي، فلا زلت أذكر ذلك اليوم الذي وضعت فيه نظارات شمسية للمرة الأولى في حياتي، تسلقتني نظراتك من أخمص قدمي حتى ناصيتي وقلت بلكنتك الشامية : " بيلبق ... صار للشوحة مرجوحة ... ولأبوبريص قبقاب " !!
ضحكت يومها حتى ألمتني خاصرتي، وكم أفتقد اليوم سخريتك وخفة روحك وأمثالك الشعبية الشامية، فأنا لا أذكر أننا تبادلنا يوما الأحاديث الجادة، فكل الكلام الذي كان بيننا "كوميديا" خالصة، في جلسة الشاي الصباحية، في جلسات الطرب أثناء استماعنا لمطربنا المشترك "كاظم"، في الطائرات، في الباصات، في الأعراس، حتى في مجالس العزاء !!
حتى في بكائك، وذهولك، واصفرار وجهك، كانت مفرادتك المضحكة تطفو فوق دمعاتك، عفويتك ردود أفعالك، كلها كانت سعادتي ... أدخلوني إلى غرفة العمليات، كانت جراحة بسيطة جدا، وفي الخارج كنت تذرفين الدمع، فتحت عيني، وأول ما رأيته وجهك الذابل على حالي، لم أكن أعرف أن الجراحة تمت بسلام، فقد كنت لا أزال تحت تأثير المخدر، فتحت فمي لأسألك عن موعد العملية، فطفح الدمي من فمي، فما رأيتك إلا وأنتي تسقطين مغشيا عليكِ، ليتحول فريق الأطباء والممرضات من فوق سريري إلى فوق سريرك ! ويغرق المكان في الهستيريا، ضحكت وأنا في ذروة الألم، فمرافقة المريض التي يفترض أن تشد من أزره، صارت مركز اهتمام المستشفى بأكمله، وصار على المريض أن يشد من أزر مرافقته، وأن يتابع مع الأطباء آخر تطورات وضعها الصحي !!
وكلما تذكرنا تلك الحادثة في جلسات الشاي الصباحية، صرنا نضحك من قلب القلب، كنتي تقولين : " غط على قلبي " عندما رأيت الدماء تسيل من فمك " !!

لكني عاتب اليوم عليك، ولولا يقيني بأن صدرك أرحب من الفضاء الذي تسبح فيه الكواكب لما تجرأت أن أنبس ببنت شفه، فلقد كنتِ تعلمين بأني راهنت القدر عدم قدرته على تفريقنا، فلماذا مددت يدك لملك الموت عندما زارك للمرة الأولى، ألم تعلمي أن القدر هو الذي أرسله، ألم تعلمي أن للقدر يدا خشنة سوداء غادرة تكسب الرهان بكل الطرق الغير مشروعة !!
كنت أمل أن تقولي له لن أذهب معك، فبيني وبين من أحب وأعشق رابطة دم وذكريات ... فكيف هانت عليك الذكريات ... وتركتي جسدك جثة باردة مسجاة على السرير حتى أزداد أنا حرقة وقهرا، يومها ... قرأت في عينك المتجمدة أننا لسنا سوى شراع مهتريء عندما تهب رياح القضاء، كم نحن مخدوعون بني البشر !!

لماذا لم تزوريني ولو مرة كل ألف عام، فعمري من بعدك ستة ألاف عام، فكل عام فيه ألف عام، ففي غيابك صار الهواء ثقيلا كما الزيت، وما عاد للحياة بهجة، وقرص الشمس ساعة المغيب صار نحاسيا كئيبا وما عاد مثل ما كان أحمر ساحرا، وفي غيابك ... تيبست خدودي لأنها ما عادت تسقى من ريقك الأعذب من نهر بردى، وفي غيابك .. سقطت كثيرا، وكم أكره الوقوع اليوم، فأنا لا أسمع إلا صوت عظامي، ولا أسمع صوتك " اسم الله عليك "، وضاقت علي دنياي وضاق رزقي، فكفاكي ما عادتا ممدوتين إلى السماء بالدعاء، عودي ولو مرة، ومسدي قلبي براحة يدك عله يشفى، فقلبي من بعدك مضغة رماد !!

لست عاتبا يا أمي، ولكنه اليتم الذي يعلو عواء ذئبه في قلبي كلما احتفل الذين لهم أمهات بعيد الأم،
أحبك جدا، وأشهد أن كل البيوت التي سكنتها كانت زنازين إلا بطنك "قصر الرحمة" الذي سكنت فيه أشهرا تسعة، وأشهد أن لا غفوة أمنة كانت إلا على يديك، وأشهد أن لا قلبا خفق لطلتي إلا قلبك، ورأسي ما عرفت الدفء إلا على صدرك ... فكل عام وأنت حبيبتي يا أمي
كل عام وأنت حبيبتي

http://www.osbo3yatjaber.blogsopt.com/

الأربعاء، 16 مارس 2011

الأربعاء الحادي عشر - حضرة السلطان إمرأة





قبل ثلاثين عاما، وفي أحد المقاهي المنسية في شارع "المصدار"، وقع شجار عنيف بين شبان ثلاثة ساخني الدماء، فالأول أقسم أنه الوحيد المقصود بالغمزة التي أرسلتها المطربة "سميرة توفيق" في نهاية وصلتها الغنائية، لكن الثاني كذب ادعاءات الأول وأدعاها لنفسه بدليل أن الوحيد في المقهى الذي يمتلك سيارة "فوكس" حمراء ورد ذكرها في أغنية "بسك تيجي حارتنا"، تحديدا في مقطع " بين الرقة ودير الزور ... مرقت سيارة حمرا"، لكن الثالث كذب ادعاءات الإثنين وجيرها لنفسه، بدليل أنه الوحيد الذي يربي الحمام بين المتواجدين، أو بمعنى أدق "كشيش حمام"، إذ أن الحمام لم يكن جزء من أغنية، بل كان عنوانا عريضا لأغنية "رف الحمام مغرب ... يادادا" ! وهكذا تحول الجدال إلى عراك بالأيدي، ثم إلى تراشق بالكراسي !!

اليوم ... كلما تذكر الكهول الثلاثة تلك الحادثة، هرشوا رؤوسهم البيضاء خجلا، لأن الغمزة لم تكن لأحد منهم، فالمطربة كانت تغني وتغمز عبر التلفاز !!


ولم تكن "الغمزة" سلاح الغواية الأوحد، فللمطربة "شامة" على خدها الأيسر ثقبت قلوب الجيل بأكمله !!

وفي إحدى المحاكم الشرعية في مدينة "الرياض"، ضاق صدر القاضي الشرعي العامر بالإيمان بأعمال المدعوة "اليسا" بعد تسببها بالعديد من حالات الطلاق التي تراكمت أوراقها فوق سطح مكتبه، فكاد أن يصدر فتوى تهدر دمها، لكنه عدل عن الفكرة تماما بعد أن رأى صدرها العامر بــ"السيليكون" !!

وفي أحد الأزقة البائسة في قارة أمريكا اللاتينية، قامت "خوانيتا" برفع قضية تفريق بينها وبين زوجها "الفونسو" بججة لامسؤولية الأخير، فأولاد الزوجين الذين كانوا على الدوام من الأوائل، صاروا في المؤخرة بعدما انصرف انتباه أبيهم لمؤخرة "شاكيرا" !!

وفي حي أمبابة الفقير في مدينة القاهرة، أقدم مواطن على جرح نفسه جرحا قطعيا عميقا، بعد أن حطم زجاج نافذة بيته بيده، عندما امتلأ غيظا على حظه الأسود بعد مشاهدة دلع "هيفاء وهبي"، فنزف نزفا غزيرا، لم تفلح الغرز بإيقافه، فكاد أن يفقد حياته لولا عناية السماء التي أرسلت "هيفاء" إلى المستشفى والتي بـ"بوسة" واحدة للـ"واوا" أوقفت ذلك النزيف !!

ولا يقتصر الدمار الذي تخلفه النساء على خفيفي العقول فقط، فالشاعر "نزار قباني" الذي أذاب كل النساء بحلو كلامه، أحرق كتب التاريخ التي قرأها يوم أن ماتت زوجته، وراح يشهد أن العصور لم تجتمع إلا على خاصرة "بلقيس" !!


وتبدي لنا الأيام ما كنا نجهله، فالديكتاتور "زين الهاربين بن علي" لم يكن إلا دمية بيد زوجته "ليلى الطرابلسي" الحاكم الفعلي لتونس، وحتى "نابليون" الذي قهر العالم كان ولدا مطيعا لزوجته "جوزفين"، فقد همس ذات يوم في أذن ولده الصغير قائلا: " أي محظوظ أنت أيها الشيطان الصغير، فأنا أحكم العالم، وأمك تحكمني، وأنت تحكم أمك" !!

ليست حواء فقط التي تجر الويلات، فحتى الأسماء المؤنثة تأتي علينا بالكوارث، فالحرب إسم مؤنث، وكذلك الأرض التي تحزمت قبل خمسة أيام بالشريط الزلزالي ورقصت، فمات من مات في "اليابان" وشرد من شرد !!


وهكذا تفهمت وجهة نظر أسلافنا الذين ألبسوا حواء رداء الخطيئة، فكل ما ورد عنهم يؤكد بأن حواء هي التي وسوست لآدم ليأكل التفاحة، وحتى الإغريق الصقوا الشر بـ"حواء"، فـ"باندورا" هي التي فتحت صندوق الشرور الذي منعت عن فتحه، ولكن فضولها النسائي دفعها إلى فتحه فانطلقت منه الآفاعي وكان الشر !!

كل هذا ولا زالت النساء تطالب بالمساواة، فلا تكفيهن سلطتهن الناعمة المسلطة على رقابنا، بل زدن على ذلك المطالبة بأن يكن بالصورة بشكل مباشر، ولأنني رجل لا أنسى الثأر ممن ظلمني، قمت بتحفيز ابن الجيران الشاطر ووعدته بملغ مالي دسم إن استطاع أن يكون أولا على المملكة في امتحان الثانوية العامة، فأنني اشتشيط غضبا في كل إعلان عن العشر الأواائل على المملكة اللواتي يكن في الغالب من الإناث، كما قمت بإقناع صديقي الحاصل على شهادة الدكتوراة والعاطل عن العمل منذ خمس سنين، بأن يعمل في أي وظيفة مهما كانت متدنية، ثم يصعد بعد ذلك لأعلى السلم الوظيفي، فيثبت للعالم بأسره أن الرجل أفضل من المرأة، فهو صاحب ثأر أيضا، ولطالما اشتكى ظلم النساء في رحلة بحثه عن وظيفة عبر صفحات الجرائد المختصة بالوظائف الصادرة صباح كل سبت، فكل الطلبات تنتهي بالتاء المربوطة، طبيبة ، مهندسة، رسامة اتوكاد، آذنة، مراسلة، (شفيرة قلاب) !!


أما أنا فقد قمت بتأسيس حزب الرجل، وسرعان ما انهالت علي طلبات الانتساب من قبل الرجال المظاليم وما أكثرهم .

ومضى كل منا إلى غايته، ومرت سنة ...


رسب ابن الجيران الشاطر، بعدما تفرغ لدراسة حركات ابنة الجيران التي تركت ستائر نافذتها المقابلة لنافذة غرفته مشرعة، والدكتور لم يستقر في أي وظيفة، فقد طرد من خمس وظائف حتى الآن، ففي كل مرة يعمل فيها مراسلا، بتورط بعشق السكرتيرة فيطرد الأثنان معا !!

أما أنا فقد ذهبت لمقابلة الفتاة المنتدبة عن حزب المرأة، علنا نصل إلى صيغة توافقية تخفف من لهيب الحرب المستعرة بين الحزبين، وما أن جلسنا على طاولة المفاوضات، حتى وجدتني سارحا ساهما مشدوها بتينك العينين الداكنتين، فقمت من فوري، وأخرجت من جيب بنطالي ولاعتي وأحرقت دساتير ومواثيق الحزب التي سهرت والشباب الليالي الطوال على إعدادها، فما كان منها إلا أن ضحكت، فطار من ثغرها الحمام وتفتحت في فضاء المكان جنات خضراء، فازداد عقلي تشوشا، فزدت على ذلك، أن خرجت إلى المرآب وعلى طريقة "طارق بن زياد" عندما أحرق السفن بعد أن وطأت أقدام جيش المسلمين بر الأندلس، وذلك حتى لا يعود أحد منهم،
أحرقت سيارتي حتى أبقى معها ولا أعود إلى أي مكان !!

أنه حكم القوي ... أو بالأصح حكم القوية !!

........................................................................................
لمشاهدة غمزة سميرة توفيق على الرابط التالي وفي الدقيقة 1.30 ترسل متتالية غمزات

http://www.youtube.com/watch?v=Oqs8aiBAbiw&feature=related
لقرأة المزيد عن "باندورا" على الرابط التالي
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%A7%D9%86%D8%AF%D9%88%D8%B1%D8%A7

الأربعاء، 9 مارس 2011

الأربعاء العاشر - زوج الست



خامسنا الغائب منذ دخوله القفص الذهبي، صار اليوم أكثر حضورا وألقا بسيرته التي لا تنفك تجري على ألسنتنا ما دمنا مجتمعين، فقد أصبح مادة دسمة للتندر منذ زواجه من ذات منصب ومال.

الداخل إلى قلب إمرأة مفقود، والخارج منه موجود على طاولات لعب الورق وصالات "البليارد"، وتجدنا لا نحتاج إلى خوض بعيد في الذاكرة حتى نستذكر مواقف "الفقيد"، فنحن نعيش معه ساعة بساعة بخيالنا الشبابي المرح، فالسمين الجالس إلى يميني يقول ناظرا إلى ساعته : " إنه الآن يسخن الماء والملح، لتنعم زوجته بمساج أقدام دافيء بعد جولة متعبة في المول، كان يحمل بها الأكياس، وهي من أمامه تتمايل وتتلفت إلى واجهات المحلات" !!
فننفجر ضحكا، ولا تلبث ضحكاتنا أن تفتر حتى تلتهب من جديد بعد أن يستطرد قائلا : " وفي العام القادم، وفي مثل هذا التوقيت بالضبط، يزيد على تسخين الماء والملح، تسخين الحليب للــ"بيبي" القادم على الطريق" !!

ويعترينا الذهول عندما نحسب أن مداخلة الرياضي الجالس في الكرسي المقابل لي كانت دفاعا عن "الفقيد" فقد قال " لا تظلموا الرجل، فلا زال صاحب الضربة القاضية في كل نزال يخوضه فوق حلبة بيته"، ولكن أساريرنا سرعان ما تنفرج بعد أن انقبضت ذهولا، بل نتجاوز تلك الحالة لندخل في هستيريا من الضحك عندما يتابع الجزء الثاني من المداخلة ويقول : " نعم ففي كل نقاش أو مناوشة، يكون صاحب الكلمة الأخيرة الفاصلة، عندما ينهي الحالة بعبارة حاضر ... كما تريدين" !!

ويزداد الطين بلة عندما يأتي دور المثقف اليساري الجالس إلى يساري، فقد قال بعد أن أبعد خرطوم النرجيلة عن فمه : " إنه ذنبي، فأنا الذي أعرته كتاب أسطورة الأمازونيات الإغريقية، لقد تأثر بها حتى ظن أن زوجته آخر المتبقيات من سلالة الملكة "مورينا" التي حاصرت مملكة "الأطلانتيس" ثم غزتها فهزمتها، تبا لذلك المجتمع الأنثوي الذي ساد في العصر البرونزي"، ورغم أننا لم نفهم كلمة واحدة من الذي قال، ولكن قهقهاتنا هزت الجدران والنوافذ، ثم تابع قائلا وسحب دخان النرجيلة تطاير من فمه : " تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، لو كانت دماء الأحرار تسري في عروقه لما رضي أن يعيش في ظل إمرأة ... تبا للثقافة المجزؤة " ثم أتبع ذلك بلكمة قوية كانت من نصيب الطاولة المستديرة التي نتحلق حولها، فحدجنا صاحب المقهى الذي نجلس فيه بنظرة نارية، كادت أن تحرمنا الإنجاب !!

يصمت الجميع حتى أدلي بدلوي وتكتمل به دائرة السخرية التي يقف في مركزها صديقنا ( جوز الست)، ولكن لساني ينعقد، فظهر قلبي أصم، ولساني لا يحركه إلا جوف قلبي، وأولى أن أسخر من نفسي والجالسين على أن أسخر من خامسنا الغائب، فالسمين سيذل نفسه بعد قليل عندما سيقبل قدم سائق "التاكسي" ليرضى أن يقله، فهم يمتنعوا عن ذلك بسبب وزنه الزائد !! فماذا لو تزوج من ميسورة ودلك أقدامه في كل ليلة للحصول على سيارة تقاوم وزنه الزائد؟ أوليس هذا رحمة إذا ما قورن بتقبيل سائقي "التاكسي" !!
والطريق إلى بيت الرياضي ستأخذ وقتا مضاعفا بعد أن يسلك طريقا فرعيا مطولا يجنبه مواجهة الخباز والبقال والجزار اللذين لن يتورعوا عن منادته بأعلى صوت كي يسدد ديونها المتراكمة على صفحات دفاترهم !! فماذا لو تنازل عن عنترياته وبطولاته الدونكيشوتية وتزوج من ثرية تضربه القاضية في كل نقاش ومناوشة مقابل تسديد ديونه التي أراقت ماء وجهه !!
وماذا لو تزوج المثقف من غنية ترده إلى الزمن الحاضر بدلا من زمان "الإغريق" الذي يعيش فيه، فماذا فعلت له الثقافة والكتب إلا نظارة صارت مقاومة للرصاص لشدة سماكة عدساتها، وشعر كثيف مثل شعبة مرجانية !!
نذل أنفسنا للجميع ... إلا ... لإمرأة

مسكين أنا ... كرامتي كانت جسرا للمختار ومدير الشركة ودكتور الجامعة وسائق حافلة النقل العام وغيرهم الكثير، وهنيئا لصديقي الذي قرر أن ينحني لإمرأة واحدة ليرفع رأسه أمام الدنيا بأسرها، ولقب (جوز الست) أفضل من لقب (جوز الذل)،
صديقي اليوم لن يطرد من أي وطن، فمال زوجته وطن، أما نحن ... ففقرنا منفى
وإذا ما غضبت زوجته ذات يوم وقررت طرده ... فنظرة واحدة إلى عينه ستردها عن قرارها،
فبالضروة أن تلك العين ... تشبه عين أطفالها

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/

الأربعاء، 2 مارس 2011

الأربعاء التاسع _ الخاصرة اللحوح



الأنباء الواردة من أرض الوطن، حملته على التفكير جديا بحزم حقائب الرجوع بعد اغتراب زاد عن العشر سنوات، فقد بلغه أن أمه مصابة بمرض نادر حارت به أطباء العالم من المدينة الطبية إلى "مايو كلينيك"، حكة شديدة في الخاصرتين جعلت ليلها نهارا !!

وما بين شيطان يعده الفقر إن هو عاد وترك شجرة النجاح التي أينعت وبدأت تؤتي أوكلها، وضمير يلح عليه بالرجوع، لأن مال الدنيا لا يساوي عبارة ( الله يرضى عليك يمة)، ينشطر الفتى إلى نصفين مثل قمر صار هلالين، واحد في أقصى يمين السماء، وآخر في أقصى الشمال.


يغافل ضميره الحي الشيطان في قيلولته، ويعود الفتى إلى دياره تاركا وراء ظهره كل شيء، لا يرى أمامه إلا صورة أم فارقها منذ عقد من الزمن.

تنحسر المسطحات الزرقاء والخضراء بعد ست ساعات من الطيران، لتحل محلها المساحات الصفراء، فيدرك الفتى أنه يحلق فوق الأراضي العربية، وهناك فوق تلك الأراضي الصفراء العطشى، أم قلبها أشد عطشا لرؤية ولد مرت سنين غيابه دهورا.

المضيفة الحسناء التي قد تكون آخر شييء جميل يراه، تهنيء الركاب على سلامتهم، و الفاصل الآن بين قدميه وأرض الوطن هو سلم الطائرة، ومن بين كل الوجوه المترقبة، يلتقط وجه أمه المتعب، فيركض نحوه بجنون، ولا يلبث أن يقبل وجنتيها حتى يلقي برأسة على يديها اللتين صارتا خشنتين بالتقادم، فيطبع القبلة الأولى، ولكن الثانية تطبع بريق خفيف، فأمه تسحب بيدها لتهرش خاصرتها، فيحزن عندما يشاهد بعينيه ما كان يسمع عن معاناتها.
وتمضي أيام قليلة، قبل أن تستدعيه في أحدى الليالي لتحدثه عما يؤرقها، ويقرأ في نظراتها ما يجول بخاطرها، ففي عين الأم كلام عن عمر أزفت نهايته، وهي لا تريد أن توارى الثرى قبل أن ترى وحيدها عريسا ... فيرضخ الولد البار لرغبات أمه.

وتبدأ رحلة البحث وطرق الأبواب، وتطول الرحلة، ويمل الفتى الذي لا رغبة له في الزواج، والأم التي تشعر بدنو أجلها تجول بين البيوت متمايلة على مهل هارشة خاصرتها لا تمل !!

وفي كل مرة يظن الفتى أنه وجد مبتغاه، يتفاجاء برفض أمه، فذات مرة زارا منزل فتاة جميلة ذات خلق، ولكن الأم أبلغت ولدها في طريق العودة بالرفض، معللة بأن هذا النوع من الفتيات يهرم ويشيخ بسرعة !! وفي مرة أخرى أبلغته بالرفض بحجة أن منزل العروس يقع على درج، فتعجب من السبب، فراح يسأل أمه ما إذا كان سيسكن في بيته أو في بيت أهل العروس، فجاء جواب الأم " وكيف لجدتك وهي التي لا تسطيع المشي أن تصعد ذلك الدرج لتعاين العروس"، فصعق من هذا الرد، لأن جدته إمرأة عجوز خرفة، فقدت حواسها الخمس، وقبل يومين عندما دخل عامل الأنابييب بيتهم ليستبدل أنبوبة الغاز، سألته الجدة ما إذا كان مرتبطا أم لا، لأنها تبحث عن عروس لحفيدها ... لقد ظنت الجدة أن عامل الأنابيب فتاة جميلة !!

وحدث الكثير الكثير، فمرة كانت الأم تتذرع بكبر حجم أنف العروس، ومرة برفع اليدين، ومرة ... ومرة... بيد أن الرفض الأغرب، كان عندما تشأمت من عرقوب إحدى الفتيات النحيل، مبررة ذلك التطير بأن هناك معتقدا قديما مفاده أن الفتاة ذات العرقوب النحيل قدمها شؤم على البيت الذي تحل فيه !!

وتنتهي الرحلة، عندما تجد الأم فتاة طيعة مطيعة، تلبي ما يمر على بالها من نظرة، وفي حفل زفاف مهيب يدفع فيه نصف شقاؤه في بلاد الغربة، ترقص الأم حد الجنون، وكأنها تطرد الأرواح الشريرة من جسدها مثلما تفعل النساء في حفلات (الزار)،

وتختفي الهرشة ... منذ تلك الرقصة !!

وتمضي الأيام ... والفتى الذي صار رجلا ينصرف إلى حياة ليست مثل سابقتها، وهو الآن، بعد عشرين عاما إلا قليلا، يمضي نصف يومه في النوم، والنصف الآخر في المسجد، فهو لا يستطيع أن يزاول الحياة كما البقية من الناس، فإذا جلس في البيت سيضطر لسماع مكالمات زوجته الهاتفية مع أمها وأخواتها التي تمتد من الصباح حتى ساعة الغداء، أو ستأتي أمه التي جعلته يهجر غربته ليغترب في وطنه، تلك الأم التي لا زالت حية تسعى بكامل صحتها وعافيتها، وهي التي كانت تحتضر قبل عشرين عاما !!، ستأتي لتبادله حديثا لن يجد فيه انسجاما، وإذا ما خرج إلى الشارع فستؤذي عيناه مشاهدة فتيات الوطن اللواتي يشبهن بعضهن بعضا حد التطابق، وقد صارت رؤوسهن مثل أسنمة الجمال بسبب الكرة التي يضعنها تحت (حجاب الأميرة) لتصبح رؤوسهن أكبر من أجسادهن، أو بسبب بناطيلهن الساحلة التي تسمى (جزرة) والتي تفضح قصر أقدامهن، ولشباب الوطن حكاية أخرى، هؤلاء الشباب الذين يضعون على شعرهم "الواكس" ليصبحوا مثل منفضة الغبار، أو بسبب أحذيتهم التي تمتد أبوازها إلى ما لا نهاية !!

ولده الذي خرج به من الدنيا في الشهور الثلاثة الأولى من زواجه، قبل أن يصاب بالعجز الجنسي الذي سببه توالي فواتير الكهرباء والماء وفواتير الأطباء، وارتفاع الأسعار بشكل يتناسب تماما مع تناقص الدخل المستمر !! والحياة بمجملها التي يحياها _ عيشة الكلاب _ الغير صالحة للاستهلاك الحيواني، ولده هذا كبر اليوم وتجاوز امتحان الثانوية العامة بتفوق، لذلك قرر بطل قصتنا أن يستثمر بقايا عقله المتبقية قبل أن تتلف هي الأخرى، فقرر أن يرسل ولده إلى الخارج لاستكمال دراساته العليا.

وفي المطار، يهمس في أذن ولده في غفلة من الأم، فيقول " إياك والعودة إلا ميتا"، وتقلع الطائرة وتبتعد حتى تغيب في زرقة السماء، وتعاود سيارة الأبوين وجهتها نحو منزلهما،

وفي منتصف الطريق ...
تهرش زوجته خاصرتها، فيركن السيارة إلى جانب الطريق، ويطفيء المحرك، ثم يأمرها بالنزول، ويخرج من جيب السيارة شريطا كان قد اشتراه لإتمام خطته ، يضع الشريط في المسجل، فيكون الشريط (رقص شرقي)، يرفع الصوت إلى المستوى الأعلى، وينزع منديل زوجته عن رأسها، ويحزمها به، ويأمرها بخلع حذائها والصعود فوق سقف السيارة، فترقص الزوجة حافية القدمين، والرجل يصفق بشكل هستيري ويقول :


كلما ألحت عليك خاصرتك ... أرقصي ودعي ولدنا لمستقبله !!