الثلاثاء، 5 يوليو 2011

الأسبوع السابع والعشرون - المشهد الأخير



تبدأ الحكاية عندما يكتظ الفضاء بالغاز الفاسد، تملأ الرئات بالقهر، تزكم الأنوف؛ فيصير تنشق حياة اعتيادية أمرا غاية في المشقة، ينحسر الأكسجين في فضاء ضيق يتسع فقط لصاحب المقام الرفيع وعائلته، وذوي المنفعة، ولما كان من سنن الكون، أن انتشار الغاز الفاسد يكون مشروطا بغياب ذوي الألباب وأصحاب الرأي الرشيد، القابعين في غياهب الزنازين؛ فأن أحدا لم يحذر صاحب المقام الرفيع بأن الغاز الفاسد سريع الإشتعال !



يرضى الشاب الجامعي ببيع الخضار، ولكنها لا ترضى به، تقلب بسطته؛ فيؤثر أن يكون رمادا لما يوقن أن الأرض لا تتسع لأي كتلة صلصالية خاوية، يشعل النار في نفسه، فما يلتقط الغاز الفاسد تلك الشرارة حتى يحترق الفضاء بأكمله، تطال النار هواء صاحب المقام الرفيع المعقم، فيسارع إلى زيارة "رمز" الثورة، يحرص على الابتسام لالتقاط صورة إلى جانبه، علها تطفيء اللهب العام، لكن "الرمز" لا يبتسم لأنه صار جثة متفحمة تلاشت ملامحها !


يعلو أجيج اللهب؛ فيظهر صاحب المقام الرفيع بكامل كبريائه مساء، ويعد الناس بالإصلاح، فيأتي الجواب " الئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " يظهر كرة ثانية بكبرياء غير مكتمل، يستأذنهم الجلوس ثلاثة أعوام أخرى، لكن هيهات ... هيهات؛ فقلب الشعب ما عاد يحتمل وزنه الزائد دقيقة أخرى، يظهر للمرة الأخيرة مجردا من كبريائه، يجزم بصوته المكسور أنه الآن فقط فهمهم ... أي نعم فهمهم ... فهمهم ..؛ فيستعر الفضاء أكثر، إذ لو كان واحدا منهم لما أصر على الخروج برأسه الأسود خلافا عن رؤوسهم البيضاء التي ( هرمت من أجل هذه اللحظة التاريخية ) !!


تنضب الحيل؛ فيستدعي صاحب المقام الرفيع قائد الجيش إلى قصره الذي لن ينام فيه بعد الآن، يأمره بأن يطفيء النار بالدم، ناسيا أن الدم أسرع اشتعالا من الغاز الفاسد؛ فيرفض قائد الجيش عقوق أبيه، يبتسم صاحب المقام الرفيع مزهوا، فيرد قائد الجيش ببسمة مضادة لما يعلم أن صاحب المقام الرفيع أخطأ فهم المجاز، فابن الشعب لم يكن يوما ابنا للرئيس، وإن اجتمعت في هذا الرئيس كل مواصفات "الزين" !!


ضاقت على الرئيس كأنها تابوت؛ فلا عاصم له اليوم من اللهب ..، إلى المطار.. حيث الخرم الأخير في التابوت المستعر، يصعد سلم الطائرة بخطوات شديدة الإضطراب؛ فلا شيء فيه اليوم "زين"!، تصعد خلف الرجل العظيم المرأة التي كانت قبل الآن سيدة أولى، الآن فقط تتمنى لو أنها ليست وراءه، ولا إلى جانبه، ولا حتى في مخيلته، تتمنى لو أنه ظلت (كوافيرة) تشرب الشاي برفقة النسوة بعد نهار عمل طويل، هذي التي ظنت أن البلاد لها، تتمنى الآن لو أن لها ذرة من تراب "تونس" علها تحملها !!


تحلق الطائرة التي تقل الأسرة المنكوبة، والتي تركت وراءها كنوز الماس والذهب واليورو والدولار، تحلق في الفضاء المظلم، بداية، تتجه إلى باريس، بيد أن مدينة الأضواء ترفض استقبالهم درءا لــ(وجع الراس)؛ فالعائلة التي كان يفتح لها قصر فرساي صارت اليوم مصدرا لوجع الرأس!، يلتفت الطيار إلى الرجل الذي صار اليوم "زين" من هرب، بعد أن كان "زين" من عبد، ويسأله عن الوجهة التالية، يطرق الرئيس ثم يقول : إلى المجهول، وهكذا يصبح المجهول المعتم أرحم من مسقط الرأس !!


ينظر الأستاذ في ساعته، خمس دقائق وتنتهي الحصة، يسأل التلاميذ: هل عرفتم قصة من هذه كانت؟، فيجيب التلميذ : زين الهاربين، ويجيب آخر : السبعيني ذي الشعر الأسود، ويجيب ثالث: فهمتكم !، يتبسم الأستاذ لأن صورة الرئيس البهية بشعره المصفف الأنيق وبذلاته البيضاء الفاقع لونها، لم تلتصق بذاكرة أحد منهم، وما التصقت إلا صورة الرجل المهزوم المكسور، الذي بعد أن فهم ناسه، ولى هاربا !!


يخرج الأستاذ من غرفة الصف، وهو يدعو الله بحسن المشهد الأخير

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأربعاء، 29 يونيو 2011

الأسبوع السادس والعشرون - قد أسمعت لو ناديت حيا !!



الضيق فسحة، ما دام في البيت إمرأة مدبرة تتكيف ومناخ جيب الزوج الصحراوي الجاف، تلملم خيوط الأزمات وتجدلها لتصبح فتيلا يضيء فضاء المستقبل، هذا ما كان يردده جاري الطاعن في السن والتجربة، ثم كان يستطرد قائلا : "لا زلت أذكر كيف كنت في طفولتي أمضي عاما كاملا بفصوله الأربعة في انتظار نمو قدمي حتى تملأ حذائي الواسع؛ فأمي المدبرة بامتياز كانت تتخيره واسعا حتى يدوم فترة أطول، كانت تضغط على مقدمة الحذاء، فإذا كانت مسافة الفراغ بقدر بوصة كاملة، تمت الصفقة وكان الحذاء من نصيبي، فقد كانت تقول أن أقدام الأطفال تنمو في الطريق بين دكان الأحذية والبيت" !!



أحيانا كان يساورني الشك في مصداقية الحديث، تحديدا عندما يهرش رأسه الأملس، ويكثر من الصلاة على النبي، فيكون ذلك مثل المساحة البيضاء بين فقرتين، فما الذي يدعو رجلا متين الذاكرة إلى التوقف عن السرد إلا محاولات منه لاستذكار الفقرة الأولى من الحديث حتى يؤلف فقرة ثانية مترابطة مع سابقتها، كما أن غياب الشهود – إذ مات أبناء جيله – يعزز شكي، بيد أني سرعان ما كنت أستغفر الله، وألوح بيدي من فوق رأسي مبعدا تلك الظنون المعترضة السيئة !!


اليوم ، وبعد مرور وقت طويل على هذه الجلسات التي كنت ألقي السمع فيها مثل تلميذ مثابر، وجدته يخطر على بالي، فأنا عندما تزوجت، فارقت الخصوبة جيبي وانتقلت إلى صلبي؛ فرزقني الله بأربعة توائم ملأوا علي وزوجتي فضاء بيتنا الضيق أصلا، وبعد أن خرجت سالما معافى من المرحلة الأولى في معركة التربية الطويلة (مرحلة الحليب والبامبرز)، دخلت إلى المرحلة الثانية (مرحلة المدارس) والتي وجدت نفسي فيها مضطرا لتطبيق "الرؤية الإقتصادية" لجاري العجوز، فأولية التعليم تفرض علي أن أقنن المصاريف في كل الأمور الأخرى.


زوجتي المدبرة والتي انفرجت اسارير وجهها عند سماعها للخطة، سرعان ما أدخلت البرنامج الإقتصادي الجديد حيز التنفيذ، ولأن الغزالة الماهرة تغزل بقدم واحدة، فقد كانت أحذية الأولاد أوسع بمقدار بوصتين وليس بوصة واحدة !!


نمت ملء جفني لما بالغت في الاطمئنان لهدوء الليالي، ولكن ولدي اقتلع السكينة من جوفي، عندما دفن رأسه في صدري باكيا؛ فقد أخبرني بأنه صار موضع التندر في المدرسة منذ اللحظة الأولى التي انتعل فيها ذلك الحذاء العملاق !!


لم أنم في تلك الليلة إلا لماما، وكنت ألعن جاري العجوز الذي أرادني خانعا مثله، فعلى الإنسان أن يتعلم السباحة حتى يخرج من الوحل، لا أن يستلذ الغوص فيه، وفي غفواتي القصيرة التي تخللت يقظتي الطويلة، رأيت كل الأحرار والثائرين : "جيفارا" بلحيته الدقيقة، "غاندي" بثيابه البيضاء والتي كنت أحسبها في طفولتي ملابس إحرام، وغيرهم الكثير ..، أشتعل الدم في عروقي، وما أن أطل النهار حتى وجدت قدمي تذهبان بي إلى الخطاط، والذي خرجت من عنده بيافطة عملاقة، أمتلأت عن آخرها بالمطالب، مطالب من مثل : عدالة إجتماعية، محاكمة الفاسدين، إعادة المال المنهوب ..، وما أثار دهشتي أن الخطاط ناولني طلبي قبل أن ألقي عليه السلام، وعندما رأى أن عيني تحولتا إلى علامتي تعجب، تبسم قائلا : " لا تتعجب، فعندما قرأت وجهك البائس، عرفت أي نوع من اليافطات تريد، واحتفاظي بعدد كبير منها مرده الطلب المتزايد عليها " وحده الخطاط المستفيد من هذا الفساد !!


استوقفني جاري العجوز فور عودتي من عند الخطاط، أخذ اليافطة من يدي، فردها في الهواء، وراح يتأمل فيها مثل خبير عتيق، ثم قال : " عليك أن تستبدلها بأخرى يكون قماشها إنجليزيا، كما يتوجب عليك أن تعدل عليها، طالب بإقالة رئيس الوزراء دون ذكر اسمه، طالب بمحاكمة الفاسدين دون ذكر أسمائهم أيضا"، بيد أني لم أحفل بما قال، فآراؤه عندي مجروحة، ولم يكن وقوفي معه إلا احتراما لتلك (الصلعة) المحفوفة بالشيب !!


وهكذا وجدتني أخرج من بيتي في كل جمعة، وفي يميني سجادة الصلاة، وفي شمالي يافطتي المطالبة بحقوقي، وما أن يسلم الإمام حتى أنطلق إلى الشارع هاتفا بمحاكمة "ناهب ابو السرقات" الذي هرب بأموالنا خارج البلاد، ومناديا بإسقاط الحكومة، حتى أنني رفعت الكلفة بيني وبين رئيس الوزراء، وصرت أنادي عليه باسمه المجرد، وفي المرات التي كانت ترمقني فيها زوجتي بنظرات الرثاء والشفقة، عندما كانت ترى وجهي الذي لوحته الشمس، وتسمع صوتي الذي جرحه الصراخ، كنت أرفع اليافطة عاليا وأقول لها : " هانت كلها جمعات معدودة، ويعود حقي، ونستبدل هذه اليافطة بمنقل للشواء، وتصبح جمعاتنا حفلات شواء !!


مرت أعوام ولم يتغير أي شيء، أختفى صوتي، وأحرقت الشموس جلدي، وهكذا وجدتني ذاهبا إلى الرجل العجوز، حتى أسلم له رأسي، فالأولاد صاروا اليوم حفاة، فرحم الله أيام الحذاء الواسع، وما كان طلبه مني بأن أستبدل قماش اليافطة بآخر أنجليزي إلا لتصمد في وجه التقلبات المناخية، لأن المسيرات سوف تطول، وتمضي عليها المواسم والفصول، وما طلب مني أن لا أكتب اسم رئيس الوزراء، إلا لعلمه بأني سأطالب برحيل كل رئيس جديد، فالكراسي تجلس على كراسي ليذهب الظالم ويأتي القاسي، لكنني عندما اقتربت من الكرسي الذي اعتدت أن أراه _ أي جاري العجوز _ يجلس عليه، وجدته فارغا


مات العجوز ولم يمت الفساد !!


جلست مكانه ... وكلما رأيت شابا يركب قطار الإصلاح، أنزلته عنوة وأركبته الطائرة !!

www.osbo3yatjaber.blogspot.com

السبت، 25 يونيو 2011

مذكرات أنثى

يوم الأربعاء ليلا، كتبت مقالا قصيرا نتيجة تذكري لحادثة واقعية حصلت أمام عيني، كنت أنوي بأن أجعله إدراج الأربعاء القادم، ولكني أرسلته لجريدة الغد، فقامت الجريدة مشكورة بنشره، ولأن قانون المطبوعات والنشر يحظر إعادة نشر أي مقال موجود على صفحات الجريدة، فقد أحببت أن تشاركوني بها من على صفحات الجريدة
المقال بعنوان مذكرات أنثى على الرابط التالي
http://www.alghad.com/index.php/article/482428.html

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

الأسبوع الخامس والعشرون - احقنه يا وطني




من على قمة جبل قاسيون الأشم المطل على مدينة دمشق، كانت أمي ترقب غروب الشمس الساحر،

وقتئذ ...
كنت طفلا لم يوقد من الشموع أكثر من عشرة، كانت نظراتي واسئلتي خير نبؤة على غباء سيزدان به مستقبلي
دنوت منها، سألتها : لماذا تختبيء الشمس خلف الجبال؟
تبسمت لي فقالت: الشمس في الشرق مثل النساء، تخجل إن حدق الناس فبها كثيرا...
سألتها: أتخجل الشمس منك يا أمي، أوتخجل النساء من النساء؟
زادت بسمة أمي اتساعا وقالت: لست وحدي من يراقب غروبها، أنظر هنالك الكثير من الرجال...
إجابة مقنعة كانت كفيلة لتوقف طفل غبي عن ترديد الأسئلة.
وبعد ثلاثة أعوام...
كانت أمي تقف الوقفة ذاتها، ولكن على أحد شواطيء العاصمة اليونانية "اثينا"...
دنوت منها: سألتها: لماذا تسقط الشمس هنا في البحر؟ لماذا لا تختبيء خلف الجبال مثلما كانت تفعل هناك في دمشق، ثم تشرق من جديد فور مغادرة الرجال، أهي خجلة هنا حد الأنتحار غرقا؟؟


أطرقت أمي هنيهة، ثم قالت: الشمس في أوروبا منعتقة ومتحررة، لا تخجل، لا تغرق، أنها الأن ترتدي ملابس السباحة، وتمارس الغوص، غدا صباحا ستتمخطر في السماء غير أبهة لنظرات الرجال...


أعجبتني شمسهم الجريئة التي تتقن السباحة عكس شمسنا الشرقية التي لا تتقن من الفنون إلا فن الأختباء!!




كبرت، وعلمت أن للناس شمس واحدة، وأن شمس أوروبا هي شمس الوطن العربي ذاتها، ووجدتني مأخوذا بسحر الغروب حتى صار لي من الشموع ثلاثين.


ولا زالت الشمس تغرب في الميعاد نفسه، الصورة لا زالت واحدة في عيني، ولكن المعنى أضحى مختلف، فأنا أشعر مع كل غروب أن الشمس تسقطت في قلبي، لتزيده حرقة على أيامي التي تمضي، وأنا إلى الخلف أمضي، فعند كل مغيب ...


ورقة من أوراق عمري تسقط،


عند كل مغيب ...


طعنة أخرى تستقر في صدري،


عند كل مغيب ...


لهب آخر من الشمس يحرق قلبي المحترق أصلا، أشعر أنني كنت مخدرا لثلاثة عقود، وها أنذا... أستفيق لأشاهد الدمار من حولي.


دماري زجاجي، واذا كسر الزجاج عبثا تحاول إصلاحه، لذلك قررت أن أهجر الوطن العربي الكبير بالمساحات، الضيق على الأبناء.


ولأن الدروب أمامي كلها مسدودة ...


سأستعمل الخطة (ج)، الزواج من "ختيارة" أوروبية أو أمريكية " أمورة" تسحبني إلى بلاد المال والأحلام، لن أكترث إذا عجزت الآلة الحاسبة عن عد أيام عمرها، لن أرتعب من أسنانها الصفراء التي تساقط الكثير منها إذا هي ضحكت أمامي، سأقنع نفسي أن لأسنانها جمال من نوع خاص كجمال أعمدة مدينة جرش الصفراء العريقة، تلك الشواهد التاريخية المرصوفة في تلك المدينة هنا وهناك، لذلك ... سأتذكر الحربين العالميتين الأولى والثانية، كلما نظرت إلى أسنانها، سأتزوج التاريخ، لن أبالي إذا أصبت بـ"دسك" حاد إذا حاولت حملها ليلة الزفاف، فـ "دسك" الظهر أهون علي من "دسك" القلب، لن أبالي إن هي فضلت نزهة برفقة الكلب عن نزهة معي، سأكون أنسان حضاري منفتح على الثقافة الغربية الشغوفة بعشق الكلاب، ثم أن الخلافات تصير في أحسن العائلات!!


لن أكترث إلى نظرات الناس عندما يشاهدونني وأنا أسحب الكرسي لفتاتي الختيارة في منهى "الجنتلمانية"، لن ألقي بالا لأحدهم عندما يقول على مسامعي( يا ماخد القرد على ماله بروح المال وبضل القرد على حاله)، فقد فات القائل بأن المال إن ذهب، فأن الجنسيات في أوروبا لا تسحب، ولا أذكر أنني سمعت أن مواطنا أوروبيا أو أمريكي استيقظ صباحا فوجد نفسه "غير مواطن"!!


لن أكترث لأنني الوحيد من بين اصدقائي الذي لم يقام له حفل زفاف مهيب، فأكثر النساء التي كانت تتمنى أن ترقص يوم زفافي، رحلت منذ سنوات ستة، وصديقي الذي كان يقسم بأن يملاء السماء رصاصا يوم عرسي، هرب إلى أوروبا على متن شاحنة "خردة"، وصديقي الذي وعدني بأن أزف من على ظهر سيارته المكشوفة السقف أفلس وغدا خيال "السرفيس" بعد أن كان خيال " البورش"، فهل أصعد على أكتاف والدي ليركض بي ويزفني في شوارع عمان!!


الآن يتوجب علي بأن أكون على أهبة الإستعداد لزفاف فجائي وطاريء، فقد ألتقي بفتاتي المسنة ( اللي ما الهاش سنان اصلا) عند مطعم هاشم وسط البلد، أو في جبري، أو في مطعم القدس، وأعتقد أن لدي من المواهب ما يكفي لإسعاد فتاتي العجوز، فأنا أكتب، أنظم الشعر، صوتي جميل، أعزف على الجيتار والأورغ، ومع أنني أشعر أن صوت الربابة مثل صرير الباب الصديء، إلا أنني تعلمتها أيضا، فقد تطرب أذن ختيارتي إلى صوت الربابة القادم من صحراء الجميد والمخيض والشنينة،


إذن لم يتبقى إلأ أمر واحدا...


أنا بحاجة إلى تعزيز رجولتي قليلا، وبناء على ذلك، يتوجب علي الالتحاق بأحد مراكز بناء الأجسام، لأصبح مفتول العقل والعضلات معا، أنا بحاجة إلى صدر عامر بالعضلات كي يكون خير جدار استنادي لفتاتي الكهلة إن أرادت البكاء يوما عليه، سألتزم بتعليمات المدرب، سأكل اللحوم والدواجن والأسماك والتي تسرع من نمو العضلات، سأرفع الجرعات التدريبية لأجعلها جرعتين في اليوم الواحد، أعلم أن ذلك سيكلفني أربع أو خمس شهور من التدريب المتواصل، لكن لا يهم، فعلى الرجل أن يجتهد إذا أراد أن يعزز من رجولته، عكس المرأة التي إن أرادت تعزيز أنوثتها، فلا عليها إلا الذهاب إلى لبنان لأخذ أربع جرعات فقط من "السيليكون" كما فعلت الموناليزا في الصورة فوق ( الصورة قبل التجميل في أمريكا وبعدها).




ضاق صدر الوطن العربي الكبير على أبنائه حتى اصطفوا وتكدسوا على أبواب السفارات الغربية أملا في الحصول على حياة، فلماذا يا وطننا العربي لا تحقن صدرك أنت الآخر بـ"السيليكون" مثلما فعلت الموناليزا ومثلها فعلن العديد من بناتك الفنانات، أحقن صدرك يا وطني عله يتسع لنا، فنعيش في كنفك، ونموت على ترابك، احقنه يا وطني عل العنوسة تختفي، فقد هرب الشباب والبنات غدون بلا عرسان


أن لم تفعل يا وطني... فأننا من على ظهرك لراحلون
---------------------------------------------------------------------------

ملاحظة : هذا الإدراج إهداء إلى إنسان أو إنسانة يحبه أو تحبه كثيرا

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأربعاء، 15 يونيو 2011

الأسبوع الرابع والعشرون - باستا - باستا




أبطال إدراجي لهذا اليوم ثلاثة، أما الأول فقد أسميته "س" خشية التورط مع (العالم) وذلك عملا بقاعدة المدونة صاحبة الظل الطويل – خفيفة الظل - "ويسبر"، أما الثاني فسأناديه باسمه الحقيقي "كيري"، ليس شجاعة مني ولكن لعلمي أن "كيري" هذا لا يتكلم ولا يقرأ العربية، فـ" كيري" رجل ألماني، أما الثالث فهو (أنا)، لذلك سأناديه باسمه الحقيقي "نادر" لإنه لم يصب بانفصام الشخصية بعد، ومن غير المعقول أن يرفع نادر والذي هو "أنا"، دعوة قدح وذم وتشهير في أروقة المحاكم ضد نادر الذي هو أيضا "أنا"!!


عن "س"

أول طقوسي اليومية هو شرب كأس من الشاي بمعية سيجارة في الحديقة (صيفا شتاء)، وآخر طقوسي اليومية هو أيضا شرب سيجارة ما قبل النوم في الحديقة (صيفا شتاء)، فلا أحلى ولا أجمل من سيجارة وضوء قمر وليل ساكن،


وذات ليلة اكتمل فيها القمر ...


سمعت حوارا ساخنا قادما من بعيد يدور بين مجموعة من الشبان، حوار غريب اختلطت فيه الشتائم، بالنظريات العلمية، بالتاريخ، بالجغرافيا، بالرياضة، كل ذلك كان في جملة لم تتجاوز مدتها الدقيقة الواحدة!!، خمنت أنهم ثلاثة شبان من جيل واحد، فنبرة أصواتهم كانت متشابهة، لم ألقي بالا لما أسمع وعدت إلى سيجارتي، ولكن صدمتي كانت كبيرة عندما رأيت ظلا واحدا مرتعشا يقترب في الظلام وتتضح معالمه أكثر فأكثر!!، كل هذا الضجيج كان مصدره حنجرة واحدة إذن !!


يا إلهي الرحيم ... يا إلهي الرحيم


إنه هو ... إنه هو ... ، أنه "س" الذي درس معي في المدرسة نفسها، إنه "س" الذي تقاسم معي المقعد الدراسي ذاته في إحدى السنين، ماالذي وصل به إلى هذه المرحلة المتقدمة من (اللسعان)، أنه يكلم نفسه ويصرخ لوحده، الرجل (لسع) واللسع هو أول مرحلة من الجنون، فالجنون يتكون من ثلاثة مراحل، جنون إبتدائي وتظهر فيه على المريض أعراض من مثل التكلم مع النفس وهذا ما يعرف بـ(اللسع)، جنون ثانوي وهو ما يعرف بـ(التنسيم)، وتظهر أعراض على المريض من مثل توزيع الإبتسامات هنا وهناك، حيث يخيل للمريض أنه يتمدد على أحد شواطيء جزيرة "هاواي" وهو فعليا يكون موجود في "سقف السيل"، أما المرحلة النهائية من الجنون فتلك ما تعرف بمرحلة (الرندلة) ويصبح فيها المريض (مرندل) نهائيا، يسب هذا، ويشتم ذاك، وييتبسم في وجه هذه، ويصرخ في وجه تلك، ولكن مالذي جعل "س" يصل إلى هذه المرحلة من (اللسعان)؟ "س" هذا كان شجاعا جدا ومرهوب الجانب، في كل مشاجرة كنت أستعين به، "س" هذا كان عدواني وخصومته دامية، حتى أن صيته تجاوز حدود المحلية إلى فضاء العالمية، في كل مشاجرة كنت تجد "س" حتى لو كانت في الصين،"س" دائما كان يردد علي ى مسامعي جملته الشهيرة _"خرمان على طوشة يا أبو الندر"، ثم يتبعها بتنهيدة طويلة "اييييييييييييييييييييييه" ثم شفطة سيجارة عميقة، اختفى "س" في الظلام مرة أخرى، ولكن لم تختفي أفكاري طوال الليل، كنت أتسأل طوال الليل عن الأمر الذي أوصل "س" إلى تلك الحالة التي تستحق الرثاء؟


وبعد أسبوع ... ، ألتقيت "س" وقد كان ماشيا برفقة زوجته التي لم أراها من قبل، كان "س" يحمل (البيبي) وزوجة "س" تحمل مفاتيح السيارة، توقفنا، تحادثنا، كان "س" طبيعي جدا ولكن أكثر أدبا وتعقلا عما كان عليه أيام الدراسة، يبدو أن زوجة "س" (ضبعته) فقد كانت ذات شخصية قوية جدا، (ضبعتني) أنا و "س" سويا، كانت من (الكواسر)!!


يالله "س" قاهر الرجال، قهرته إمرأة !!


كانت أمه دائما تقول: "الله يعين اللي بدها تاخدك"


وعلى ما يبدو أن الله استجاب دعوات "الحجة" وأعان زوجة (س) كثيرا كثيرا ...


عدت إلى منزلي، وعرفت سر "س"، لقد كان في تلك الليلة التي رأيته فيها يتحدث مع نفسه في حالة تفريغ، إذن "س" ليس مجنون رسمي، ولكنه يعاني من (لسعان) خفيف بسبب زوجته قوية الشخصية، ناهيك عن مسؤولية ذلك (البيبي)، وجنون متوالية إرتفاع الأسعار، وضيق العيش، وقصر ذات اليد، ولكنه كان قد بالغ في تلك الليلة في الاطمئنان لعتمة الليل وسكونة، لم يكن يعلم أن (لاسعا) آخرا كان يشرب سيجارته خلف سور حديقة منزله في ذلك الوقت المتآخر من الليل!!


والأن نترك (س) قليلا ونذهب للبطل الثاني


عن " كيري"


على الرغم من أن مقاهي "الأنترنت" القريبة من مكان سكني من فئة الخمس نجوم، إلا أن ذلك لا يمنعني من ممارسة هوايتي في "الشبك" من "إنترنت" أثري في منطقة وسط البلد، وعلى ما يبدو أن هذه الهواية لم تأتي من فراغ، هي وليدة (عقدة) حلم لم يتحقق، حلم السفر والتطواف في بلاد الله الواسعة، فهذا المقهى غالب من يؤمه هم السياح، وبعض المواطنين أمثالي، ولا يخلو الأمر من بعض (الديوانجية) العابرين، هنا في هذا المقهى يخيل إليك أنك في "سيدني" إذا جلس رجل "أسترالي" إلى جانبك، هنا في هذا المقهى يخيل إليك أنك في "طوكيو" إذا جلست فتاة "يابانية" إلى جانبك، ولن أقول أنني بهذا أكون قد قزمت حلم التطواف والتجوال حول العالم ألى مجرد الإكتفاء بالجلوس في هذا المقهى الذي يجيئه الناس من كل أنحاء العالم، بل أقول أنني بهذا أكون نجحت في اجتراح (لهاية) أضعها في فم ذلك الحلم كلما جاع وبكى، فنحن العرب خير من أتفن فنون علم التسكيت بـ(اللهايات)، فالمسؤول الذي يطمئن المواطن (الطفران) أن الإستثمارات والخير قادم في الطريق إلينا، هو مجرد (لهاية)، صحن (الفول) الذي أقنعنا أنفسنا أنه يضاهي اللحوم في الفائدة والمذاق هو مجرد (لهاية) لمعدتنا كلما ألحت علينا وطالبتنا باللحوم التي وصلت أسعارها إلى أرقام فلكية، نحن مثل أم فقيرة جف حليبها، كلما بكى رضيعها قذفت في فمه (اللهاية)، فيا لهذه (اللهاية) اللعينة!!


وذات عصر ... دخل إلى المقهى رجل ستيني أشقر يرتدي "شورت" أحمر و "شباح" أصفر!!، جلس الرجل خلف أحد الأجهزة، كل شيء كان طبيعيا في البداية، هدوء يتخلله بعض العطسات، وبعض (تكتكات) صادرة عن "الكيبوردات والماوسات"، إلى أن قطعت صرخة أطلقها هذا الرجل الهدوء، صرخة شبيهة بصرخة رجل تلقى رمح في قلبه، نظرنا جميعا إلى الرجل، ولكنه لم يلتفت إلى أي أحد منا، ثم تابع الطباعة وكأن شيئا لم يكن!!، وما أن مضت ربع ساعة حتى قام الرجل من مقعده وهم بالصراخ عاليا بلغة يبدو أنها ألمانية، لم نكن لنفهم شيئا مما يردد إلا آخر كلمتان باستا ... باستا!! تارة يذهب إلى اليمين، وتارة يذهب إلى الشمال، وكأنه يلعب دور رجلين في واحد، تعلقت أبصار الجميع به، بلغت القلوب الحناجر، أما أنا فتوجهت إلى الله أن يبتعد عني ولا يؤذيني، فأنا صاحب تاريخ عريق في مثل هكذا أمور، ولا زلت أذكر تلك الحادثة التي حصلت في صباي، حادثة الرجل المجنون الذي ترك الشارع المكتظ بالمارة كلهم وراح يلحقني بسرعة ألف (كيلومتر في الساعة)، ثم أن (الكوميديا) تلاحقني أينما حللت ورحلت، خيل إلي أنه سيقوم بتكسير أحد (الهارد ديسكات) على رأسي، ولكن الحمد لله مر الموضوع بسلام، وبعد الزيارات المتكررة التي قام بها الرجل للمقهى، اعتدنا عليه جميعا، وصنفناه ضمن (المرندلين) المسالمين، ولكنه بقي مصدر رعب للقادمين الجدد إلى المقهى، آخر ضحاياه كانت فتاة "يابانية" جلست بكل هدوء وطمأنينة، ثم أخرجت زجاجة المياه المعدنية من حقيبة سفرها، ثم ضبطت ساعتها مثلما يفعل جميع اليابانيون، ولكنها ما لبثت أن جلست حتى لملمت أشياءها وهربت بسبب صرخة شبيهة بصرخة الضبع أطلقها ذلك الرجل، وبعد التقصي والتحقيق عن ذلك الرجل، اتضح لنا أنه كاتب قصص قصيرة، ألماني الجنسية، يعيش هنا منذ سنة، وذلك ليثري تجربته الحياتية، والتي بدورها ستعود عليه بالإيجاب في مجال القصة القصيرة، واتضح أن اسم ذلك الرجل هو "كيري"، وأنه يتقاضى شيك قيمته (2000) يورو من المجلة التي يرسل إليها قصصه القصيرة، وصراخه وتصرفاته الغريبة كانت ناتجة عن توحده مع أشخاص قصته أثناء التأليف والطباعة.


ملاحظة: أنه يجلس إلى جانبي الآن ويطلق صرخات شبيهة بعواء الذئب، يبدو أن قصة اليوم تتحدث عن صراع ضاري بين حيوانات الغابة!!


والآن لنترك "كيري" ولنجري مقارنة بسيطة بين "كيري" وبين "س"


لو أن "س" لاقدر الله جن، فما الذي سيحدث له، سيفعل مثل بقية المجانين في الوطن العربي، سيرتدي (بالطو) أسود (أبو فروة) صيفا شتاء، وسيعتمر طاقية صوفية سوداء صيفا شتاء أيضا، ناهيك عن لحيته التي ستطول وتطول، وسيلحقه الأطفال ليقذفوه بالحجارة، سيطلقون عليه الألقاب، سيجعلوه حقلا لتجاربهم، ففي الوطن العربي الذي يضرب فيه الأطباء والمعلمون، ماذا سيكون مصير أي مجنون؟ أما "كيري" القادم من الغرب فثمرة جنونه كانت عملة صعبة وتسكع وتجوال في شتى أرجاء الأرض!!


المجانين في الشرق تقذف بالحجارة، والمجانين في الغرب تقذف بالعملة الصعبة!!


تنرك "س" و"كيري" ونذهب إلى البطل الثالث


عن "نادر"


فقدت طعم الحياة منذ زمن بعيد، أصبحت أعيشها بلا وجهة محددة ولا هدف، صرت بعد أن كنت أملاء البيت حيوية ونشاطا قطعة أثاث صامتة، حتى مشاجراتي المستمرة مع شقيقتي على "الريموت" صارت ذكرى، حتى أنها بالأمس عبرت عن ضجرها بسبب قلة المشاجرات، قالت لي: ( حركلنا السوق شوي، زمان ما تهاوشنا)!!


قد أتزوج في يوم من الأيام فالزواج شر لا بد منه، أكيد يومها سأصبح أرنبا مسالما، فصديقي (س)، الذي كان يحسب له ألف حساب أضحى رجلا مطيعا، وكل أصدقائي الذين تزوجوا من قبله مشوا على خطاه!! حتى أنني كنت أجلس بالأمس برفقة صديق عزيز، وما أن تلقى هذا الصديق رسالة من (حماتو) وليس من زوجته حتى رد فورا عليها خشية أن يحل عليه غضبها، تضرع إلى الله أن تصل الرسالة بأسرع وقت ممكن، خيل لي أنه كان يود حمل الرسالة والذهاب إلى حماته في حالة عدم وصولها، وما أن جاءه التقرير الذي يبلغ بوصول الرسالة حتى تنفس الصعداء وحمد الله!!


جيل اليوم تغير، فجيل أمي وأمكم البسيطات اللواتي كن يتقن من الحوار القبول أو الحرد قد ولى، وجيل بنات اليوم يتقن من الحوار الرفض أو (الشحاطة)، وبعد المشاورات مع نفسي خرجت بالخلاصة التالية:


أنا مثل أي مواطن عربي يواجه الغلاء، ويعيش في الإحباط، وفي حال تم الزواج فسأكون مثل بقية من سبقوني من الأصدقاء (أرنب) بامتياز، أي أن الأسباب التي ذهبت بعقل "س" موجودة، ثم أنني أكتب قصص عن "جبر"، وقد يأتي علي يوم أجد نفسي فيه متوحدا مع أشخاص القصة مثلما يفعل "كيري"


وبذلك أكون جمعت كل أسباب الجنون التي أودت بعقل الرجلين، فإذا شاهدتم في إحدى إدراجاتي كلمة باستا ... باستا، فهذا مؤشر للجنون، فما عليكم يومها إلا أن ترسلوا للمدون " أشرف محي الدين" صاحب مدونة أفكار وتساؤلات، فهو الوحيد الذي يعرفني شخصيا ويعرف عنواني، وذلك لعمل لمة شهرية خشية أن أدور في الشوارع وأقذف بالحجارة.


وإلى اللقاء في الأربعاء القادم ان شاء الله، وسلامة عقلكم، باستا ... باستا!!

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/





الخميس، 9 يونيو 2011

الأسبوع الثالث والعشرون - خدعوك فقالوا


بعد أن تعدت الخلافات مستوى الأفراد وصارت على مستوى دول، قررت الدول العظمى إنشاء مخفر أممي على شاكلة المخافر المحلية الصغيرة، والتي يدخل إليها الفرد منا ديكا ويخرج منها دجاجة، ولكن غير بياضة!!

ثم قامت تلك الدول ولإغراض (برستيجية) بتسمية هذا المخفر " هيئة الأمم المتحدة" وفي هذا المخفر الكبير يمكنك تقديم شكوى ضد دولة ما، ويمكن لدولة تقديم شكوى ضد فرد من دولة أخرى، ويمكن لدولة تقديم شكوى ضد دولة أخرى، أما إذا أراد "خليل" أن يقدم شكوى ضد "منصور" لأن الأول قام بقذف الثاني (بتنكة) سمنة فارغة، فما عليه إلا الذهاب لأقرب مركز أمني محلي، وهناك ستأخذ العدالة مجراها وتقوم بحبس المشتكى عليه والمشتكي معا في زنزانة واحدة!!

ولو تقرر ذات يوم نقل مقر الأمم المتحدة من نيويورك إلى عمان، فأنا أول من سيقوم بتقديم شكوى ضد دولة كبرى ...

سأقوم بتقديم شكوى ضد "اليابان"!!

سأرفع قضية ضد اليابان لأنها كانت السبب المباشر بإفساد أخلاقي بتلك المسلسلات الكرتونية التي قامت بعرضها أثناء فترة طفولتي من مثل ( غرندايزر، سندباد، ساسوكي، ريمي، بيبيرو)، والتي صورت لنا أن الحياة نزهة جميلة وإن تخللتها بعض المتاعب، وأن المرء مهما أحاطت به الشرور فلا بد للخير أن ينتصر في النهاية.


وقد أثبتت الدراسات أن شخصية الفرد تبدأ في التكوين في سن الخامسة أو السادسة، (يعني في عز فترة مسلسلات الكرتون)، سأطالبهم بإرجاعي مرة أخرى إلى زمن الطفولة، شريطة تغير كل النهايات، مثلا سأ طالبهم بجعل نهاية "ياسمينة" تلك العصفورة التي كانت ترافق "سندباد" طوال فترات المسلسل- سأطالبهم بجعل نهايتها نهاية واقعية- كأن تسقط صريعة حجر (نقيفة) على يد ولد مشاكس، لا أن تتحول من عصفورة إلى أميرة مثلما كذب علينا اليابانيون في نهاية المسلسل، سأطالبهم بجعل نهاية "دايسكي" بطل مسلسل "غرندايزر" - سأطالبهم بجعل نهايته نهاية واقعية جدا - كأن يموت ضحية رصاصة طائشة في عرس، لا أن يعود هو وأخته "ماريا" إلى كوكب "فليد" بعد أن تمكنوا من القضاء على الشرير الأكبر "فيغا"، أو سأطالب بجعل نهاية "مارك" حبيب "ساندي بل" على يد شقيقها، وذلك عندما قام بطعنه ست طعنات بواسطة موس "سبع طقات" عندما رأه يتسكع في شارع الوكالات برفقة أخته "ساندي" (مفرعة بدون حجاب)، أو ممكن أن أقترح عليهم جعل النهاية أقل مأساوية، كأن يترك "مارك" رسالة لـ"ساندي" يقول فيها: ( أوعي تفرجيني خلقتك يا وجه الفقر، أنا رايح أبرطع بمصاري كيتي وأمشكح بسيارتها الحمرا الكشف)، وهذا سيريح "مارك" من أهل "ساندي" وأخيها (الدواوين)، فأهل "كيتي" (كووول)، ولكنني سأكون أكثر تسامحا مع قدر "ساسوكي" عندما سأطالبهم بجعله ينهى حروب (النينجا)، ويحصل على تقاعد مبكر ومكافأة نهاية خدمة والتي سيستثمرها بتنزيل (تكسي) أصفر لـ (يطقطق) عليه في شوارع عمان.

ولكن أتدرون ...

سأخسر القضية بكل تأكيد، عندما سيقوم محامي الدفاع الياباني " يوكو ماتي رابح قضاياتو" بالترافع، سيقدم ألف دليل على أن مسلسلاتهم الكرتونية كانت تحاكي الواقع الأنساني بأسره (باستثناء العربي طبعا)، وأن العرب هم من قاموا بشراء ودبلجة هذه المسلسلات إلى لغتهم بسبب افتقادهم لأي إنتاج كرتوني عربي، إلا أن هذه القضية لن تتسبب بأي أزمة بين اليابان وبين العالم العربي، فاليابانيون شعب ودود جدا، وعلى العكس تماما، سيقومون بمد يد العون لنا، وسيرسلوا إلينا لجنة لتدرس مراحل حياة الإنسان العربي منذ الطفولة وحتى الممات، ومن المؤكد أنهم سيقومون بإنتاج مسلسل كرتوني عربي يكون بمثابة محاكاة لواقع الإنسان العربي
أعتقد بأنهم سيسمون بطل المسلسل (عطا)، لأن المواطن العربي هو الوحيد الذي يعطي ولا يأخذ، يدفع الضرائب ويدفع (الخاوة) ولا يحصل على أدنى حقوقه الإنسانية كتأمين صحي أو راتب شيخوخة، سيستعينوا بالممثل المصري "محمود ياسين" وذلك بسبب صوته الإذاعي ليحكي لنا المقدمة والتي ستكون كالتالي:

الرجاء قرأة هذا النص بصوت "محمود ياسين" :

" في بلاد النصف مليار عطعوط، كان هناك طفل يدعى عطا، عاش عطا في حي المطافيس، وفي سن مبكرة جدا قام والد عطا بالحاق عطا بورشة حدادة ليعمل فيها بعد الدوام المدرسي، وذلك بغية جمع ثنائية المجد ( شهادة ثانوية عامة، وشهادة حدادة)، كبر عطا ولما بلغ الأربعين (عمر الحكمة) أصيب بالسكري، وبعد سنتين أصيب بالضعط، وبعد عام أصيب بتصلب الشرايين، ثم داهمته الجلطة الأولى، فالثانية، فالثالثة، ولكن عطا لم يستسلم، قاتل بضرواة عز نظيرها، وتمكن في النهاية من الموت داخل البيت" !!
( طبعا النهاية السعيدة هي أن عطا مات في بيته ولم يمت بالشارع بعد أن قام أهل الخير بعمل لمة شهرية لتغطية إيجار بيته).

وبما أن الابتلاء ملازم للإنسان العربي من المهد إلى اللحد، وليس مثل ابتلاء "ساندي بل" الذي لم يتجاوز الخمسين يوما، وهي عدد حلقات المسلسل، فسيكون العرض متواصلا في مسلسل (مغامرات عطا)!

ولكن ...

ماذا لو أن مسلسل (مغامرات عطا) رأى النور فعلا؟ ما لذي يمكن ان يحدث يا ترى؟
لا تفكروا كثيرا ...

سيخرج علينا أحدهم قائلا: "كل من يتابع هذا المسلسل كافر، فهذا المسلسل مؤامرة صهيونية أمريكية يابانية مشتركة ! هدفها غرس كره الحياة في رؤوس أطفالنا، الآمر الذي سيؤدي بهم إلى كره الحياة والعزوف عن الزواج والتكاثر"، ألا تذكرون الضجة الإفتائية التي آثارها مسلسل "البوكيمون"؟!! وما أن تسمع "أم العبد" بالفتوى حتى تصرخ بأعلى صوتها: ( الله يفتح عليك يا شيخ)، ثم تنادي على "أبو العبد" قائلة : ( يا الله يا أبو العبد شوف شغلك خلينا نجيب ولاد ونكيد العدا )!! و ( أمبلانس رايح وأمبلانس جاي على بيت أم العبد) وفي كل مرة تعود "أم العبد" بتوأم، (بالجوز)، ومع أن الهدف من وراء عملية الإنجاب الكبرى التي قامت بها "أم العبد" هو كيد الأعداء، إلا أنك عندما ستسأل أحد أولاد "أم العبد" المتناثرين هنا وهناك بين الإشارات الضوئية، وورش الحدادة، وورش (تجليس البودي)، عندما ستسأل أحدهم عن فلسطين، سيجيب مستنكرا : ( مين فلسطين، الله يبعدنا، ماليش على قصص النسوان)!!

كلنا كثرة وقلة في الفعل والبركة ..............

بالأمس حطم رأسي رقما قياسا عالميا بالطول، فقد بلغ من الطول ما لم يبلغه من قبل، الآمر الذي أضطرني للذهاب إلى الحلاق، كنت أركض في الطريق إليه بسرعة فاقت سرعة الضوء، فالحالة طارئة، وما أن وصلت هناك، حتى أجلسني على ذلك الكرسي الأسود الكبير، ثم قام بتطويق عنقي بذلك المريول الأبيض حتى كاد أن يخنقني، وللمرة الأولى بعد عمر من الحلاقة والتنعيم، اكتشف التشابه الرهيب بين تكتيك الحلاقه وتكتيك الإحتلال العسكري لمدينة ما، فالجيوش تبدأ بحصار المدينة المراد غزوها حتى تنهك قواها، ثم تبدأ عملية الهجوم، ومثل هذا يفعل الحلاقون، يقومون بتطويق عنقك بذلك المريول الأبيض ثم يبدأ المقص بالعمليات العسكرية ضد جمهورية رأسك التي يسكنها الشعر، أما أنت أيها المسكين فتكتفي بمشاهدة الضحايا وهم يتساقطون على أرض المعركة (المريول الأبيض)، والغريب أن الحلاق يمارس هذه الإبادة الجماعية بدم بارد جدا، فهو لا يتوقف عن الحديث إليك أثناء هذه العملية ولا يترك أي موضوع ثقافي، أو اجتماعي، أو رياضي، أو حتى فلسفي، إلا ويتطرق إليه، وما أن يهدأ صوت المقص معلنا نهاية العمليات العسكرية، حتى يقول لك الحلاق نعيما، ثم بمنتهى البرود يقوم بكنس الضحايا (شعر رأسك) ثم يدفنهم في مقبرة جماعية (سلة مهملات).

ولكن ... أكثر ما لفت انتباهي يوم أمس تلك الضحايا (الشعرات البيضاء) التي كانت تتساقط بمعية السكان الأصليين (الشعرات السوداء) على ذلك المريول الأبيض، لتشك علامات فارقة، من أين أتوا؟ من أين جاؤا؟ ... يا الله لقد شبت ...!!

عدت أدراجي ورأسي يضج بالتساؤلات حول موضوع الشيب المبكر، أنه أول الأوسمة، تلك الأوسمة التي يقلدها القهر للإنسان العربي من مثل (الكرش البلكون)، (الصلعة المستديرة)، (الخصر الساحل)، (الفم النظيف الذي يشبه المغارة الحمراء بفعل تساقط الأسنان)، ناهيك عن الأوسمة الغير مرئية من مثل ( كولسترول، سكري، ضغط دم، تصلب شرايين، سخام الطين)،

وفجاءة ... قررت أن أحارب تلك الشيبات البيضاء، فالظاهرة لا زالت في بداياتها، والشيب غير ظاهر بعد، سأقوم بصبغ شعري، وبهذا لن يلاحظ أصحابي سليطي الألسن أي تغير، ولكني في حال تركت الشيبات تظهر ثم صبغتها فجأءة، فسأصبح سيرتهم( وين يا رايح يا كيوي، ومن وين جاي يا كيوي)، إذن لأقضي على هؤلاء الثوار البيض في مهدهم، قبل أن يصدروا ثورتهم لبقية سكان جمهورية رأسي، وما أن شرعت في الموضوع وقمت بخلط المقادير حسب النشرة، حتى أطلت شيبة صغيرة علي وقالت: ( أفعل ما شئت بنا، فذات يوم ستمشي بالشمس حتى تعرق وتحل الصبغة على وجهك، ثم نعاود الظهور من جديد، فالثوار لا يموتون)!!

ياه ... تخيلت المشهد يومها، لكم سيكون ذلك مضحكا، ثم أنا الذي نظرت إلى هؤلاء الثوار بعين الإعجاب عندما كانوا يتساقطون الواحد تلو والآخر في معركة الحلاق، أنا أفعل بهم ذلك!! مستحيل.

عدلت عن الفكرة وقلت في نفسي الحمد لله على نعمة وسام الشيب، فمهما كان الشيب سيء ولكنه يظل أرحم من الأوسمة الأخرى، سأقول إن عيرني أحدهم به بأن الشيب وقار، كما قالها من قبلي صاحب (الكرش) بأن (الكرش وجاهة)!!

سأترنم بذلك الموال الشهير: " عيرتني بالشيب وهو وقار، ويا ليتها عيرت بما هو عار"
كما سيترنم صاحب (الكرش) مثلي بالموال ذاته مع تغير بعض الكلمات:
" عيرتني بالكرش وهو جاهة، وياليتها عيرت بما هو عاهة" !!

فهكذا نحن أمة العرب يجب علينا العايش مع عاهاتنا، لا أن ننتظر النهايات السعيدة مثلما علمنا أهل اليابان.

خدعوك فقالوا أن الحياة نزهة، وإذ بها (فيلم مرتب)

منك لله يا يابان

ولم أجد أجمل من توديعكم بأغنية "ساندي بل"

وداعا إلى اللقاء ... في أربعاء جديد

يطيب فيه اللقاء ... وتحلوا المواعيد

سأودعكم ... وقلبي عندكم


http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأربعاء، 1 يونيو 2011

الأربعاء الثاني والعشرون - إلى الخلف در




كنت دائم الخلاف مع المجتمع، كان مصرا أن أعيش في جلبابه، ومثل عورة كنت أبرز بين حين وآخر، مما سبب له الحرج مرارا، إلى أن نفذ صبره ورفضني؛ فالمجتمع النمطي يكره الجمل المعترضة، طيشي كان كبيرا والجلباب ضيقا !!

نفيت، فاحتواني مجتمع افتراضي كلاجيء طائش رفضت كل موانيء ومطارات العالم استقباله، وكما كل المبعدين في المنافي القسرية، وجدت ما افتقدت في مجتمعي الأم، وشكرت السماء على ما أصابني من نفي وتهميش، ذلك لأني أدركت أخيرا أن العالم كبير جدا خارج الجلباب !!

المجتمع الإفتراضي واسع جدا حد احتواء كل المجتمعات تحت سمائه الإلكترونية؛ ما يجعلني أخطو بحرص مشاء في أرض الحفر؛ فجرح الذاكرة لا زال طريا، أخاف أن أدخل موقعا يكون مستخدميه من ربعي السابقين، كأن أتعثر أثناء بحثي في موقع "flicker" عن مشاهد خلابة بصفحة مستخدم عربي وضع صورا تحت عنوان (حارتنا) فأصاب بالتلوث البصري ثانية بسبب صورة حارته !!

أو أن أصل صدفة إلى صفحة مستخدم عربي آخر وضع صورا تحت عنوان "الربيع في بلادي"، فتعود إلى ذاكرتي الصورة الخاطئة عن الربيع التي تم ترميمها عندما شاهدت صورا للربيع في غرب المانيا؛ فلون العشب هناك أخضر بهيج، ولون الخراف أبيض كالثلج البكر، عكس الربيع العربي الذي يكون فيه العشب زيتي مغبر ترعى فوقه خراف بلون "سكري" من شدة (الوسخ) !!

حائطي على "facebook" مرآة روحي، عكس حائط بيتي الصامت الذي لا يعبر حتى عن نفسه، والذي نقشت عليه ذات يوم ما كان يجول في خاطري، فجأت "أمانة عمان" ودفعتني غرامة ثمنا لخواطري، إضافة إلى طراشة الحائط على نفقتي الخاصة !!

في عالم الواقع (مطوع) يطاردك بعصاه الغليظة حتى المسجد؛ وذلك حتى تقيم الصلاة، ومع أني لا أفهم كيف يمكن لمذعور أن يقيم صلاة تحتاج إلى أعلى حالة من صفاء الروح ! إلا أن تساؤلاتي توقفت عن التدفق لما انعزلت وما عاد أي شيء خارج إطار شاشة حاسوبي يعنيني، بيد أن العالم الافتراضي توسع حتى وصله (مطوعون) متطوعون غير تابعين لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية، ما حدى بي إلى إقامة حساب ثاني على "facebook" جل الـ "friends" فيه من الأجانب، ولو علم المطوعون الجدد بأمره لنسفواه عن بكرة أبيه؛ لما يحتوي من "فسق ومجون" !!

أكبر المشاكل يكون حلها بنقرة في العالم االافتراضي، فعندما تطرق إحدى "مستورات" إفريقيا إيميلك؛ إذ توفي زوجها وصارت أرملة، ما عليك إلا أن تنقر على "delete" فتصبح الأرملة أثرا بعد إيميل في غضون ثوان، أما "مستورات" الواقع فلا تردها النقرات ولا اللكلمات؛ فبعد أن تدعو بأن يفتح الله عليك أبواب الرزق، تدعوا بأن ييسر لك "بنت الحلال"، وقد تكون متزوجا فتقول لك مستدركة : " الله يرزقك مثنى وثلاث ورباع ... ومن ثنى دخل الجنة " فتنقدها بما تيسر حتى تفتك منها، لتلتفت من بعد ذلك يمنة ويسرة فتجد أنك خسرت زوجتك، التي ظنت أنك نقدت "المستورة" ابتهاجا بدعوتها !!

دخلت عالما افتراضيا فغدوت مفقودا في عالم الواقع، سلم الجميع لرغبتي، صرت في عين البعض ميتا، وفي عين البقية صرت نسيا منسيا، وحده والدي ازداد الحاحا؛ كان يحذرني أن الدنيا تركض من حولي وأنا قابع في مكاني، وأن جلوسي كالأطفال أمام شاشة الحاسوب لا يليق بالشيبات الخمس التي ظهرت مؤخرا في رأسي، ولأن شيبته عزيزة وكبيرة في قلبي، أذعنت لرغبته ودخلت في الجلباب مجددا !!

نزلت إلى الشارع تملؤني الثقة بأن الجلباب صار فضفاضا، كما كل شيء في هذا الكون الذي يزيد اتساعا وامتدادا، فعاودني التلوث البصري كرة ثانية، لا بسبب (الحارات العشوائية) إنما بسبب فتيات يلبسن (إشارب) من نفس لون الحذاء، ويتحزمن بأحزمة لميعة فاقع لونها لا تسر الناظرين ! حتى أنهن صرن بهذا يشبهن بعضهن حد التطابق؛ شعرت بأنني أمشي في الصين؛ فالوجوه في الصين كلها لرجل واحد، أو لإمرأة واحدة مركب على أجساد مختلفة، والخراف صار لونها بنيا قاتما لفرط ما لوثها "الديزل" فرحمة الله على أيام كانت تزهوا بها الخراف بلونها "السكري" !، ووجدت الجدران على خلاف جدران "facebook" والتي تقربنا إلى بعضنا، فالجدران في الواقع جدران فصل عن الآخر، فالمخالف لوجه نظرك يعني الجحيم، والهواتف النقالة تحولت إلى مطوعين، فمنها من يؤذن، ومنها من يقرأ القرآن ، أما "المستورات" فتلك حكاية أخرى، فإن لم ترميك بحجر ( بعد أن تكون قد تعلقت في حزامك لمدة نصف ساعة ) تقوم بالدعوى عليك في حال امتناعك عن الدفع، وقد تشتمك شتيمة خفيفة في العرض !!

تكاثر الشيب، فقفلت عائدا حيث كنت، فسامحني يا والدي، فأنا بعد اليوم لست معنيا بـ"جاهات" لم أكن عريسا ليوم فيها، ولست معنيا بدفع (نقوط) ابنة عمي التي وضعت مولودها الخامس عشر! فأنت تعرف وجهة نظري في الوافد الجديد إلى هذه الحياة، فهو مجرد بائس آخر يمشي بين الناس، أو وجبة طرية لهذه الدنيا، ولست معنيا بأناس يقيمونني من بذلتي أو من ربطة عنقي، سأوي إلى أناس أحبوا روحي، وخلي لك مجتمعك هنيئا مريئا، أما أنا فلن أعاود الكرة ..،

عجبي من الجلباب الذي (كش) دون أن يغسل !!










الأربعاء، 25 مايو 2011

الأربعاء الحادي والعشرون - خميس الحياة





الليلة خميس، برجك يقول أن الكون بسمواته وكواكبه ونجومه وأقماره متواطىء معك بشكل صارخ، قفي في الشرفة ريثما أصلك، إنتصبي كملكة تطل على شعبها، تنشقي هواء ملء رئتيك؛ فكل الهواء اليوم لك عبير، لا تقفي أمام الخزانة طويلا حتى تتخيري الحذاء الأنسب، تعالي حافية القدمين؛ فالتراب الآن من تحتك حرير، لا تتعطري، خلي فضاء سيارتي يعبق برائحتك الربانية، لا أريد الليلة أي حواجز صناعية بيننا، إذن ... هبت رياحك يا حبيبتي فاغتنميها، وأنا بدوري سأجاور السعيد حتى ينتابني السعد.


حبيبتي ... هاتفي المحمول يتملل في يدي، دعيني ألتقط صورة لك؛ فعندما دلفت السيارة فكأنما الشمس ركبت إلى جانبي، أفهم تحفظك على الصور؛ فأنت تخافين أن يأتي يوم يقف فيه أحفادنا أمام صورتنا ليضحكوا ويتندروا على أشكالنا القديمة : تسريحة الشعر، شكل ولون الملابس ..، تماما كما نفعل أنا وأنت عندما نقف أمام صورة جدي !!

اسندي رأسك إلى المقعد، لكم يروقني هذا "البروفايل" الجميل : الرقبة الطويلة، الأنف اليوناني الدقيق، بالله لا تلجمي طيش شعرك بيدك، دعي الريح تعيث به جنونا، فما أدراك عل الريح تصمت غدا، وأظنها اليوم مرسلة بمهمة محددة؛ أن تداعب شعرك حتى تصبحي في عيني ملكة بكامل المواصفات والمقاييس؛ فروح الكون تعرف مالذي يستفز رجولتي، الكون منحاز لك بوضوح، هكذا حدث برجك !


هاقد خرجنا من الشوارع المكتظة الضيقة كشرايين رجل مريض، وها نحن ذا في أول الشارع الواسع المؤدي إلى الجبل البعيد، الطريق طويل لكنه سريع، يدي غافية فوق مبدل السرعات، فلا حاجة لها للاستيقاظ ما دام الطريق خاليا والغيار خامسا، حواسي متيقظة، مساماتي مفتوحة، ضعي يدك فوق يدي الغافية فوق مبدل السرعات، دعيها حتى تشتعل فيرشح باطنها عرقا تشربه مساماتي المفتوحة على اتساعها، عل عدوى النعومة تنتقل إلى يدي التي جففها طول عمل بلا جدوى، لا تربطي حزام الأمان، قد يعيقك إذا ما أردت النوم على كتفي، قد تخيفك سرعتي التي تزيد اطرادا و نشوتي، لا عليك ... كوني على يقين بأننا سالمين من الآذى حتى لو انقلبنا ألف مرة في الهواء، سنخرج من تحت الأنقاض بعافية وليدين باسمين، فالبلاء عنك مرفوع اليوم، هكذا قال برجك، لا تتوقفي عن الهمس في أذني؛ فالطريق طويل، ولا تتعجبي إذا ما خلفت أنفاسك العذبة الندى فوق وجهي، فقد صار وجهي في حضرتك تحفة من "الكريستال" الفاخر !!


هاقد وصلنا إلى الجبل البعيد، لماذا وضعتي (الحجاب) ، المكان خالي من البشر، أما القمر والنجوم فهم من "المحارم" أنسيتي أنهم أخوانك في الحسن !!، فكي (الحجاب) وتحزمي به حتى ترقصي، سأترك باب السيارة مواربا حتى يتسرب منه صوت "كاظم" صادحا بأن " الليلة غير ... شعوري غير ... أشواقي غير ... حتى الأغاني غير"، أما أنا  فسأرقص بالسبحة كما الرجال، ولا تمتعضي إذا مارميت السبحة وصرت أتقافز جنونا، أعرف أنك تحبين رزانة الرجال، لكنك لا تعرفي ماذا تفعل إمرأة ترقص عارية القدمين بقلب الرجل؛ لأنك لم تكوني رجلا ليوم واحد، ولولا موعود الله بحور العين، لما فتحت بلاد في أقاصي الأرض سارت إليها الرجال تحت قيظ الظهيرة وفي جوف صقيع الليل !!


لم أكن إمرأة في يوم من الأيام، لكني أعرف الذي يرعش قلب الفتاة الشرقية؛ فهي تعيش العمر في انتظار ساعة يسكب فيها الحبيب حلو الكلام في روحها، ولك مني أن أهمس في أذنك أيابا حتى تذوبي كقطعة سكر في كوب شاي ملتهب، أما الآن فلنرقص ... فلنرقص، ولتكن تلك الرقصة بيان حياة ضد موت عشناه منذ الولادة !!


فلنرقص ... سأمتطي هذه الصخرة المقابلة وأصرخ على طريقة "العقيد" الطاعن في السن والخرف معا : " رقصة ... رقصة ... إلى الأمام ... إلى الأمام" !!


فلنرقص ... قبل أن تمتلىء المقل بالدمع،؛ فغدا هو الجمعة يا حبيبتي، والمراهق السوري الغافي في أحضان أمه الآن قد تسول له نفسه أن ينزل إلى الشارع غدا، ليتغرغر بكلمة "حرية"، فيدفع ثمن تلك الغرغرة نوما في قبضة "عزرائيل" !!


فلنرقص ... فغدا وبعد الصلاة تحديدا ، سيطل علينا زعيم اليمن المخبول بفعل "القات" السيد "صالح" ليمطر الرؤوس بكلام "مالح"، سيقسم أمام الجمهرة التي أغراها بالمجيء مقابل وجبة "كنتاكي" بالثوابت والمباديء أنه لن يستخدم العنف ضد ما يسميهم بــ"الإنقلابيين"؛ فتكون الحصيلة (موت عشرين إمرأة إنقلابية) بالرصاص الحي في "تعز" !!

فلنرقص ... قبل أن يكون الوقت جمعة، فـ"عقيد ليبيا الثائر صاحب الخيمة الأشهر في التاريخ، قد يخرج من جحره هو الآخر، حتى يقنع "النيتو" بالتخلي عن فكرة استهدافه، فنيراهم بعيدة عن الهدف مادام "العقيد" يسكن في قلوب شعبه المذبوح في "مصراته" على حد زعمه !!

أرقصي ... أرسمي لوحة باذخة الجمال، كوني وهجا أبيض يتراقص على خلفية سوداء مزينة بالقمر والنجوم، فاللوحة غدا حمراء قانية، أبطالها جثث بعمر الورود تتمدد على بلاط بارد، شباب لم تعرف النساء بعد، فبالله كيف يموت الذي لم (يخش دنيا) بعد !!

أرقصي ... فنحن الأمة الوحيدة التي تموت قبل أن تحيا، إجعلي الليل طويلا، لا أريد أن أنام؛ فأنا في كل ليلة أحلم بإمرأة تنتظر دخول ولدها من الباب، ثم ما ألبث أن أراها تنهار عندما يدخل عليها عبر شاشة "الجزيرة" نائما غارقا في الدماء !!

فلنرقص ... فلنتحرك قبل أن نتسمر غدا أمام الفضائيات لنعرف الحصيلة النهائية لعدد القتلى، أرقصي فجمعة الغد لم تسم بعد، فالأسماء استنفذت ما بين " جمعة خلاص" و "جمعة رحيل" و "جمعة صمود"، بيد أن حيلة المفردات قاصرة أمام لؤم الواقع الذي يعنون كل الجمعات بــ"جمعة الموت" !!

حبيبتي ... أرقصي حتى ينتصف الليل، أريدها ليلة عمر، فسامحيني على كذبي الأبيض، فأنا لم أقرأ برجك اليوم، بل أن علاقتي بالأبراج تشبه علاقة "الشيف رمزي" برياضة الجمباز ..،

لكنني أردته "خميس حياة" قبل أن تدخل "جمعة الموت" حيز التنفيذ !!

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأربعاء، 18 مايو 2011

الأسبوع عشرون - فتاة رغم المشيب





عندما تعظم الشمس وتميل للاحمرار، يتناثر الصبية في الشارع حتى ليحسبهم الناظر أحجار سبحة انفرط عقدها للتو، وعلى إحدى الشرفات المطلة على الشارع، تقف أرواد السمراء ذات القلب الأبيض، وعيناها البنيتان قطعتان من البرونز اللماع لانعكاس الشفق الأحمر عليهما، وكلما داعبت نسمة منعشة وجنات الصبية، امتدت أبصارهم إلى الشرفة التي تقف فيها أرواد، اعتقادا منهم أن مرد تلك النسمات يد أرواد التي تلوح لهم بين الفينة والأخرى، فتلك اليد الكريمة التي لم تفرغ يوما من السكاكر التي يحبونها، صارت في عقولهم البريئة قادرة على وهب كل ما هو جميل، حتى لو كان هذا الشيء هو تلك النسائم المنعشة التي تنساب ساعة الأصيل بعد نهار صيفي لاهب.

تفتح أرواد كيسا من السكاكر، تغترف منه ما تيسر، ترفع قبضتها في الهواء عاليا:


" يا أولاد "، فيترك الصبية الكرة التي كانت تتعارك عليها أقدامهم وحيدة، ويندفعون إلى الرصيف الواقع أسفل الشرفة، تنظر أرواد إلى الأسفل ... أياديهم الصغيرة المرفوعة في الهواء، رقابهم المشرئبة إلى أعلى، أفواههم المفتوحة على اتساعها من الصرخات، " أنا ... أنا ... أنا"، كل هذا يجعل المشهد في عيني أرواد كأفراخ جائعة تتقافز متلهفة لالتقاط ما في منقار العصفورة الأم.

تغيب عينا أرواد  لفرط ما ضحكت، ثم تسأل:


_ من منكم يشجع "مدريد"، فيرفع عدد لا بأس به من الصبية أيديهم " أنا ... أنا ... أنا"


_ من منكم يشجع "برشلونة"، مجموعة أخرى من الصبية ترفع أيديها عاليا، وتلاحظ أرواد أن بعض الأيدي ارتفعت عند السؤالين، فتضحك من قلب القلب على هذا المكر الطفولي، ثم ترخي قبضتها فتتساقط السكاكر على الأطفال، ويغرق المكان بالصخب والعفوية البريئة حتى يسدل الليل ستاره الأسود على ذلك المشهد الذي يتكرر في كل يوم.


هناك في الداخل، كانت عينا أم أرواد تناظر المشهد، ومقدار السعادة الذي تسكبه تلك الحالة في قلب أرواد، هو مقدار الحسرة نفسه الذي ينسكب في نصف قلب الأم الأيسر مع كل أصيل، فالطفلة التي كانت بالأمس تغفو بين ذراعيها، كبرت وكبر قلبها الذي كان بحجم قلب عصفورة حتى صار يتسع لأطفال الدنيا أجمعين، ولكن أم أرواد تعلم يقينا أن جوعة قلب المرأة لا يسدها إلا كائنا يسكن الأحشاء عاما إلا ثلاثة أشهر، وأن فرصة أرواد في الأمومة تتضاءل أصيلا بعد أصيل، كما يتضاءل نصف قلب أم أرواد الأيسر حسرة بعد حسرة، أما النصف الأيمن فقد ذاب شوقا منذ زمن إلى ابن وعدها بأن لا يطيل الغيبة أكثر من عامين، وها قد مر عقد من الأعوام ولم يعد.


وتمضي الأيام ...


وذات أصيل، بينما تعبر أرواد من أمام والدتها حاملة كيس السكاكر لتحجب عنها ضوء الشمس الذي يتسلل من النافذة الغربية للحظة، تستدعيها والدتها للجلوس إلى جانبها، وما أن تجلس أرواد حتى تضمها الأم إلى ذراعيها، ضمة كاد عظم أرواد أن يختلط بعضه ببعض لشدتها، ولقد كانت الضمة الأخيرة.


خمسة شهورة مرت على موت أم أرواد، وما أبطأ الوقت وما أثقله على قلب أرواد، وكأن عقرب الثواني يخز قلبها في كل نقلة، ولكن تلك الأحاديث التي كان يرددها أقارب أرواد من الرجال على مسامعها هي ما هونت عليها فجيعة الفقد، أحاديث عن ذلك النعش الذي كان يطير بخفة فوق أيديهم، وقبر ينتطر بلهفة أن يضم بين ضلوعه جثمان تلك المرأة الصالحة، وللحقيقة، ما كان هذا القبر إلا باب دهليز يصل الأرض بالجنة، ولكن النقطة السوداء الوحيدة التي كانت في تلك الجنازة هي أن من بين كل الأيادي التي تناوبت على حمل النعش، يدا واحدة غابت، هي يد أخوها الموجود في "المهجر".


وتتوالى الأيام، وفي إحدى الصباحات، تستيقظ أرواد على صوت رنين متواصل، ترفع سماعة الهاتف:


_ ألو ...
_ ألو ... أرواد كيف أنت؟
_ أهلا أسامة، أنا بخير، كيف أنت؟
_ أنا بخير والحمد لله، ولكن أين اللهفة التي كنت أسمعها دائما في صوتك؟
_ ألا زلت تسأل عن اللهفة يا أسامة، وعدت أمك بأن لا تطيل الغيبة أكثر من عامين، وفي كل مرة كانت ترجوك أن تعود، تقول لها عندما أحصل على الجنسية، وماتت أمك ولم تراك حتى في جنازتها، وتسأل عن اللهفة !!
_ حبيبتي أرواد، لو أنني أتيت، لما استطعت العودة مطلقا، فأنت تعرفين أن وضعي ليس قانونيا بعد، ولكن المحامي طمأنني أننا نسير في الاتجاه السليم، هانت يا أرواد ... هانت، والله أني مشتاق لك،
تخف نبرة العتاب التي كانت في صوت أرواد وتقول
_ وأنا أكثر يا أخي، يا ابن أمي وأبي
_ أرواد هناك صديق تعرفت عليه في المسجد، وسيأتي معي بأذن الله ليراكي،
تصمت أرواد هنيهة،
_ أنه شاب خلوق جدا يا أرواد، ومن رفاق المسجد
_ كما ترى يا أخي، كما ترى، ثم يتبادل الشقيقان الأحاديث المختلفة، ونبرة أرواد تزداد بهجة عبارة تلو والأخرى، فعلى الرغم من مؤهلها العلمي العالي، ومنصبها الرفيع في العمل، إلا أن كل الشهادات والمناصب تتساقط أمام لحظة حلم بأمومة.


تمضي الأيام ... تليها الشهور ... تليها السنين، وتتساقط الأوراق من على رزنامة الأيام ورقة بعد ورقة، وأرواد تزجي أوقات الإنتظار في الوقوف على الشرفة، وما كان وعد أسامة لها إلا حقنة صبر، فأسامة لم يدخل المسجد يوما، ورفاقه لم يكونوا إلا رفاق حانة وليسوا رفاق مسجد، وكلما سقطت على أرض شرفة أرواد دمعة، سقطت مقابلها دمعة أخرى في "المهجر" من فصيلة الدمع ذاتها، ولكن دمعة أسامة كانت دمعة ندم على نذالة اقترفها بحق زهرة رقيقة تركها في مهب الريح، ولكنه سرعان ما كان يجفف تلك الدمعة، بجرعة من الكحول أو سيجارة من "الماريجوانا"، أو في أحضان أنجلوساكسونية، مثلما يجفف باقي الرجال دموعهم، وأرواد تنتظر، وفي كل مرة يهاتفها، يحقنها بالصبر، وهي لا زالت في تصديق مستمر، فما أبيض قلبها،

ومرة ...يدخل إلى الحي رجل وسيم الملامح، فيتفرس بحنين مغترب كل ما تقع عليه عيناه، ويشرح للصبي الصغير الذي برفقته عن ملاعب طفولة أبيه، والفتى يهز بشعره الذهبي مبتسما، وقد غاب عن هذا المشهد العائلي ركن مهم اسمه الأم، لأن هذا الولد كان ثمرة جرعة زائدة من الكحول وغمامة من "الماريجوانا"، وهناك في شرفة بعيدة تقف فتاة اسمها أرواد، تحمل السكاكر وتنثرها فوق رؤوس الصبية، ولا زالت تحتفظ بالملامح نفسهاإلا أن  شعرها صار بلون قلبها ...

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأربعاء، 11 مايو 2011

الأسبوع التاسع عشر - لأننا هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية !!


موظف بسيط، أخرج من البيت متمتما بأذكار الصباح، قناعتي سر هدوئي، لا يستفزني الطابور الشبيه بأفعى عملاقة والذي أصطف فيه كل صباح؛ فلا مكان للتذمر والشكوى فوق لساني الرطب دائما بذكر الله، وليست هذه الشكوى التي تصدر مرارا من أفواه الزملاء في الطابور إلا قلة صبر منهم؛ فبعد قليل ستأتي حافلة النقل العام لتأكل نصف الأفعى بقضمة واحدة، صحيح أن الإنتظار يتسع أحيانا لإقامة حفل تعارف يتخلله وجبة إفطار خفيفة متبوعة بفنجان من القهوة، بيد أن الحافلة ستصل ولو بعد حين، كما أن تلك الشمس التي تظللنا بنورها الحار، تصبغ جلودنا بلون نحاسي مرغوب، تدفع لقائه النساء المخمليات ثمنا باهظا وهن يتنقلن بين شاطيء وآخر !!

أعصابي من جليد، لاشيء يستثير فزعي؛ فكل ما يرهبه بني الإنسان يمشي إلى جانبي كتفا إلى كتف، ولا يؤرقني مرضي الوراثي وهلة واحدة؛ فلا ريشة على رأسي حتى أكون غصنا ناشزا عن شجرة عائلتي آل "مطحون" التي عانت "متلازمة الفقر" على مر العصور !!

أشفق على الناس التي تركض خلف طموحاتها، فالطموح عندي رجس من عمل الشيطان؛ تفكير يحرمهم النوم والأحلام، أحلام يقظة تخل بأدائهم الوظيفي المقدس عندي، وإذا ما نال أحدهم المراد، عاش قلقا على منجزه، أما أنا فلا أخشى الحسد، رغم أن زملائي دائما يحسدونني لأنني لا أملك شيئا أحسد عليه !!

وحدها الأبواب ما يثير فزعي، لذلك أحرص على إبقائها مغلقة؛ فقد يكون خلف الواحد منها ألف باب، ضيق الأفق أكره التغيير، فأنا لا أعرف من العالم سوى بيتي وعملي اللذين أراوح بينهما يوميا، لكنني سعيد بهذا، وإن كنت غير ذلك، إذن ... فأنا لست من آل "مطحون" !!

مثالي بسيط، مخلص لعملي الذي يدر علي أجر يومي يكفي لتأمين صدري بعلبة سجائر وملء معدتي بوجبتي إفطار وغداء والعشاء عند الجيران، لا أفكر في الزواج مطلقا، وأكتفي بابتسامة فتاة "عانس" ذاهبة إلى عملها، فأسخر النشوة التي ولدتها تلك الإبتسامة في خدمة الصالح العام !!


الحياة التي رسمت خطوطها بشكل يتناسب وأفقي الضيق، ظلت هادئة إلى أن زارني جدي ذات منام، أنحنى ناظرا إلى كفي، ثم ما لبث أن غادر الحلم غاضبا، شمس الصباح، ابتسامات العوانس، وخدمة الجمهور، لم يتركوا لي أي حيز للتأويل، لكنه – أي جدي – عاود الزيارة في منامات متتالية، إلى أن عرفت التأويل، فذات إجازة خالية من المباهج وصلت بعد تفكير عميق أن جدي غير راض عن عدم زاوجي، بدليل أنه ينظر غضبان أسفا إلى كفي الفارغتين من أي محبس، فأنه رغم إدقاعه بأوحال الفقر إلا أنه كان يحث على الزواج والإنجاب؛ فقد كان مؤمنا بـ"المخلص" الذي سينتشل آل "مطحون" من الطين، كان مقامرا بالحلال، ولي من الأعمام 25 عم وعمة بؤساء، كانوا حصيلة لعب جدي وجدتي "القمار" في غرفة معتمة !!


حاولت الفرار من رغبة جدي؛ فوراء باب الزواج تحديدا مئة ألف باب، بيد أن محاولاتي باءت بالفشل؛ ففي المرة التي امتنعت فيها عن النوم، باغتني في غفوتي القصيرة على الأريكة المقابلة للتلفاز، وعندما ذهبت للنوم واضعا محبسا في يدي اليسرى، سرعان ما جاءني في أول النوم قائلا : يسبق الزاوج خطبة يكون محبسها في اليد اليمنى !!


القدر هو الآخر آثر الإنحياز؛ فالفتاة التي عينت حديثا في الدائرة تبدي اتجاهي ودا عز نظيره، تطمئن عن حالي دائما، تساعدني عندما يتكوم الجمهور حول شباكي ..، قالت لي مؤخرا أنني الوحيد الذي تراكبت كيمياؤه مع كيميائها ..، شيئا فشيئا وبمكر نسائي لفتني خاتما حول بنصرها، تعرجت خطوطي المستقمية، واستسلمت راياتي لرغبة جدي، وصار وجودي حول أصبع الفتاة محبسا معدنيا كدلالة على إرتباط رسمي !!


وليس صدفة هذا التوافق الكيميائي بيننا، فهي من آل "معجون"، وآل "مطحون" وآل "معجون" هما فخذان من عشيرة "بني مأزوم"، وهي قارئة جيدة في علم الأنساب، وقد شرحت لي عن جدنا الأول "مأزوم ابن أزمة" وكيف قاتل "فقر الدم" ببسالة، ونجا من أربعين فيضان اقتلعوا خيامه، وستين محاولة اغتيال من الجيش الإنكشاري العثماني لتخلفه المستمر عن دفع الضرائب !!


ما كنت أعلم أن الطريق إلى بيت الزوجية طويل مهلك، وحدها محابس الخطوبة تسببت بجفاف شهرين متتاليين، ولدور السينما والمقاهي حكاية أخرى، وفي الطريق صالة يستلزم الجلوس فيها ساعتين راتب عام كامل، وعندما قررت التحايل على الوقت، قدمت لــ"قرض حسن"، لكن حسن قصير اليد، والممنوح لا يكفي لنصب "شادر" يقام فيه حفل للشباب فوق سطح العمارة !!


وعندما استوطن اليأس أوصالي، صارحتها برغبتي في استرداد حياتي الأولى، لكنها تمكنت من إقناعي أن العسل كامن خلف الباب الأخير، ثقتها بعنفوانها وشبابها جعلت من الوقت مسألة ثانوية، ومرة كبرت في رأسها عندما أخذ بريق إعلان "سكن لطيف لمواطن خفيف" عينيها، وراحت تقتعني بأننا لو عملنا لساعات إضافية (تفوق بعددها ساعات العمل الرسمي) فأننا بذلك نستطيع تأمين دفعة أولى لشقة العمر، وزادت على ذلك بأن قالت أن المخلص المنتظر (أمل جدي) يجتاج إلى حاضنة دافئة لتفقس فيها مواهبه بأمان، فتلك المواهب هي التي ستنتشل آل "مطحون" من السخام !!


وبعد عامين من العمل المتواصل تمكنا من الإيفاء بالدفعة التي يتبقى مثلها ثلاث مرات، وما أن دفعنا المبلغ حتى هرب المتعهد، وصارت قضية "سكن لطيف لمواطن خفيف" قضية فساد كبرى، وضعنا نحن الصغار في متاهاتها، وفي أثناء ركضي المحموم ما بين دائرة وأخرى، علني أسترد جزء من شقائي، شخت دهرا، مما جعلني عازما على "فك الإرتباط"، وأغريتها بالتنازل عن دفعة الشقة (إن عادت) وباقي الحقوق الأخرى، لكنها كشرت عن أنيابها، وصرخت بملء صوتها وصرحت للمرة الأولى بأن زواجها مني ليس مشروع زواج "أجدب" من "جدباء" إنما تنفيذا لرغبة جدها الذي يزورها في المنام هو الآخر طالبا منها "مخلص" لآل "معجون" !!


وإلى الأمام مشيت فوق النار؛ فما عاد هنالك وراء، وبعد مخاض عسير ...


تزوجنا، وفي صبيحة العرس تم الطلاق !!


أرض المعركة كانت بعيدة جدا، والجيش المرهق أصلا سار المسافة مشيا، وظلام الطريق أورث في النفس الألم والحسرات، وتعاقب الفصول المتطرفة ببردها وحرها غلف الأسلحة بالصدأ ..،


كنت أبكي أمام صورة جدي راجيا منه العفو والسماح، أمسد شعري الأبيض وأردد :


لأننا هرمنا ... هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية !!

                                                                              نادر أحمد

الأربعاء، 4 مايو 2011

الأسبوع الثامن عشر - بالرفاه والبنين



مكتوب على ورق الخيار، أن من يسهر الليل ينام النهار، جفناي يأبيان التلاقي؛ بعد عناق طويل خلال النهار، الوقت : منتصف الظلام، الفجر بعيد، والليل لا زال في بواكيره، أحتاج إلى فائض من الفضول يؤهلني لتصفح الشبكة العنكبوتية ( سايت ... سايت، بروفايل ... بروفايل، تشات ... تشات، شبر ... شبر، زنقة ... زنقة ) !!

أتفقد القادم إلى بريدي الإلكتروني، أطالع الوارد من الأخبار في الصحف، أتسلق أعمدة الكتاب اليومية، على "يوتيوب" أتابع هطل الدم المنتظم الذي لا بد منه لاخضرار ربيع العرب، أذهب إلى "فيس بوك"؛ قد يكون أحدهم كتب على حائطي خربشات غير مسؤولة، فألتقي بالــ"فريندز" في "بيت خالتي" !!

الوجوه على الماسنجر رمادية عابسة، ولا وجوه صفراء تنبض بالابتسام "اون لاين"، حائط "فيس بوك" فادح البياض، الجميع نيام، الظلام لا يزال ثقيلا، أعاود الرجوع إلى بريدي الإلكتروني كي أتسلى إلى حين أن "يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر"، أقرأ كل الرسائل الواردة إليه منذ تدشينه إلى الآن، حتى تلك التهديدية التي بعد "جزاك الله الخير" إن لم ترسلها إلى عشرة من أصحابك ... "تموت الليلة" !!

أضغط على خروج، أستطيع أن أمضي المتبقي من يقظتي متأملا سقف الغرفة من على سريري البارد حتى يغالبني النعاس، تتم عملية الخروج من البريد الإلكتروني بسلاسة، ليحل مكانه صفحة "مكتوب" الرئيسة، تستوفقني صورة الشاب والفتاة الباسمين التي أراها منذ أيام ثمانية، أنقر عليها بالفأرة، لأتفاجأ بعد ذلك بالمحتوى؛ فالصورة التي كنت أحسبها "دعاية معجون أسنان" لم تكن إلى صورة ولي عهد بريطانيا الأمير "ويليام" وخطيبته التي صارت اليوم زوجته بعد حفل زفاف باذخ!

أستطيع الآن ترميم صورة الزواج المغلوطة في مخيلتي؛ فقد كنت أعتقد أن الزواج بداية لنفق مظلم وفقا لصورة بالأبيض والأسود لجدي يوم زفافه؛ يقف فيها متجهما بوضع عسكري يؤدي تحية العلم، أفهم الآن إصراره على عدم الإبتسام؛ فقد كان فقيرا لا يملك ثمن تقويم لأسنانه التي كانت مبعثرة كأثاث مقهى اندلع فيه شجار عنيف !!

وما بين صورتين على طرفي نقيض، زفاف الأمير "المهيب" الذي فاقت كلفته المئة مليون دولار، وزفاف جدي "المعيب" الذي انخفضت كلفته عن المئة دينار، والذي أكون أنا آخر ثماره الفاسدة، تركض الذاكرة إلى وراء بعيد، لحفل زفاف جماعي كنت أحد مدعويه، أقامته "جمعية المستورين الخيرية" بدعم من كبريات الشركات التي تحرص على بناء جسور التواصل بينها وبين جيب المواطن، يومها حار أحد العرسان أين يلتقط صورة العمر التي تعلق لتكون جاهزة لاستقبال المهنئين و"العزال" في صالون بيت الزوجية؛ فكل الخلفيات كانت إعلانات عملاقة للشركات الراعية، إلى أن اقترحت عروسه الذكية، أن تكون خلفية الصورة الإعلان الأصغر على أن يرمم "الفوتوشوب" ما أفسده الدهر، فكانت خلفية الصورة "هذا الزفاف برعاية زين" !!

لا غرو أن الأمير حار هو الآخر في انتقاء خلفية تليق بالصورة التي ستعلق في غرفة الإستقبال داخل القصر، شرفة القصر مثلا، الحشود الهائلة، أم العربة التي يجرها حصانان أبيضان هاربان من الأساطير! فكل خلفية أجمل من أختها، ورحم الله جدي الذي كانت خلفية صورة زفافه "شادر" بني اللون !!

سينفصل الأمير عن زوجته فور تعرفهما أجساد بعضهم بعضا؛ فأطول زواج للمشاهير لم يطوه عقد من الزمان، بيد أن أصحاب الزفاف الجماعي سيزدادو لحمة؛ فالعدو مشترك وواحد اسمه الشقاء، ويصنع الضوء من الأمير الصغير الذي ستضعه "كيت" أميرا يأسر القلوب رغم سنوات عمره التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة؛ فيقال : ذهب الأمير ... جاء الأمير ... تبرع الأمير ... رضع الأمير ... تثاءب الأمير !!

أما أطفال الزفاف الجماعي فلا ضوء لهم، رغم الأعمال الخيرية (غير المادية) التي يقومون بها ليلا نهارا؛ فهم يدفعون سيارة جارهم قديمة الطراز التي لا تعمل إلى بـ"دفشة"، أو يحملون أكياس الخضار عن جارتهم العجوز التي عرفت الشقاء قبلهم بكثير، أو يحملونها حتى يتحصلوا على دراهم قليلة تسند ظهور أهلهم !!

ولن يتحيز الضوء لهم؛ فالضوء أعمى تحركه أيادي متزلفين بجيوب جائعة، وتأخذ يدا "كيت" الأبصار بنعومتها أثناء الظهور المتلفز الأول لها بعد انفصالها عن الأمير، كما ستأخذ أيادي أصحاب الزفاف الجماعي أبصار الناس بخشونتها التي خلفها فرط الطرق على أبواب أصحاب المقام الرفيع ليعينوهم على حياتهم الغليظة !!


فبالرفاه والبنين يا سمو الأمير ... وبالعذاب والأنين أصحاب الزفاف الجماعي !!

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأربعاء، 27 أبريل 2011

الأسبوع السابع عشر - شاهد على العصر



ما أشبه الليلة بالبارحة، حتى رتابة الأيام لا تستبدل ثوبها، عمل فقيلولة ولقاء صامت في المساء نتجاذب فيه أطراف التحية، ثم نسلم السمع لفوران الماء في أتون النرجيلة !!


الأيام رتيبة ومتشابهة، ولا تفاصيل تستحق السرد، إذا ما أردت أن أحدث الرفاق عن يومي، سيخال لهم بأني مصاب بـ"الزهايمر" أو أن أحدهم سيتندر علي قائلا : "الحلقة معادة" فبالضرورة أن الرواية مطابقة في الأحداث والشخوص والأمكنة للرواية التي سردتها قبل خمسة أعوام في هذا المقهى الذي أجلس فيه الأن !!

ولأن الطبيعة تكره الفراغ، سينضم إلينا ذلك الرجل العجوز لليلة السادسة على التوالي، ليملأ فراغ الصمت بحديث ذكريات لا يتوقف عند أي فاصل إعلاني إلا رشفة من الماء بين حين وآخر لدواعي جفاف الحلق الذي يسببه استمرار تدفق الكلمات دون توقف !!

رخامة الصوت ... الصلاة على النبي والتي تشبه المساحة البيضاء بين الفقرة والفقرة ... الرأس الأبيض ... حركات اليدين المتزنة، كل ذلك يجسد النقاء والأخلاق والفضيلة على هيئة بشرية، فيكون الحديث مصدقا، لتلقي السمع وتصبح مجرد أذن وتكتفي بهز رأسك موافقا على المتواتر تباعا من تلك الحنجرة العتيقة !!

ليلة الأمس ... كانت روايات الرجل العجوز أقرب ما تكون للأساطير، ولأن الزمار يموت ويداه تلعبان، خالجني الشك بصدق الحديث، فأنا سيء الظنون، ولكن نظرة إلى محدثي الرجل العجوز "البركة" جعلتني أستعيذ بالله من شيطاني وأتابع الإنصات !
نبرة العجوز تعلو وتحتد، وأنه يطرق المنضدة بقبضته معترضا على قلة البركة في هذه الأيام، وهو يحدثنا الأن عن الولائم العظيمة التي كان يقيمها في أيام الخير والبركة، تلك التي كان يفد إليها الأهالي من كل حدب وصوب، حتى أنه قال بأنه كان يستعمل "المايكريفون" لينادي الجالس في نهاية الطاولة !!

هنا تحديدا ... يتدخل صديقي الذي كان مغتربا، يتدخل مقاطعا للمرة الأولى منذ ست جلسات فيقول : " ايييه ... أيها الرجل العجوز، ذكرتني بأيام الخير في الغربة، كنا نقيم الولائم، فتأتي الجاليات العربية من كل فج بعيد، حتى أنني إذا ما أردت النداء على الجالس في نهاية الطاولة، استعمل الهاتف، والأنكى من ذلك أن المكالمة تسجل "دولية" !!

لا شيء يربطني بهذا المقهى بعد اليوم، وغدا سأنصب نرجيلتي في ركن مظلم بعيد، وحيدا سأجلس وأكتفي بسماع فوران الماء في أتون النرجيلة، فذلك خير من الجلوس لاستماع الأكاذيب، وظني السيء كان في محله، فسوء الظن من حسن الفطن، والأمر الذي شجع صديقي للتدخل هو عدم وجود أي شاهد على وليمته التي أقيمت في بلاد بعيدة، أما الرجل العجوز فلن يشهد على قصصه أحد، لأنهم بالضرورة ماتوا جميعا !!

إذن القاسم المشترك بين كذبات الرجلين هو غياب الشهود، والأمثولة التي حرت في تأويلها طويلا، تجسدت اليوم حقيقة تفصح عن نفسها أمامي، ففعلا " ما أكذب من شاب مغترب ... إلا عجوز ماتت أجياله " !!

لن أصدق بعد اليوم حديثا ولو أحدثت رخامة الصوت بي وقعا وتأثيرا، ولن أقيم وزنا لحركات اليدين مهما كانت موزونة، ولن يقر الكلام في قلبي وإن كان محدثي وقورا برأس كساه الثلج الأبيض عن آخره، وما تلك الصلاة على النبي التي خلتها مساحة بين فقرات نص القصة إلا وقوف اضطراري لاستذكار ما سبق سرده، حتى لا يضيع الترابط بين فقرات الكذبة! فيكون موقف الرواي مثل ذلك الشاب الذي كان يكذب على أصدقائه عن مغامراته في البرازيل، عندما قال لهم أنه سجل هدفا مزق شباك الخصم، فانقطع مضطرا عن سرد بقية الأحداث ليرد على الهاتف، سأل بعد أن أنهى المكالمة : " أين وصلنا "، فأجاب أحدهم : " عندما تمزقت الشباك، فرد الراوي : " نعم ... نعم، تمزقت الشباك، ورغم ذلك علقت بها الكثير من الأسماك وكان الصيد وفيرا والله الحمد " !!

اليوم أجد نفسي مكذبا لك ما قيل لي بأثر رجعي، ولو كانت جارتي العجوز "أم أحمد" حية ترزق، لطلبت منها الشهادة على ذكرياتها، بالذات تلك التي كانت تدعي فيها أنها كانت ملكة جمال تركيا في صباها !!

اليوم ... ومن أوسع الأبواب دخلنا إلى عصر التكنولوجيا، والشاهد الذي تعدل شهادته شهادة أربعة رجال ثقات يكون بالضرورة من مخرجات تلك التكلنولوجيا، فشهادة "يوتيوب" مرئية ومسموعة، وأمريكا التي تسوق لنا بأنها إمبراطورية الأخلاق لن تكتم شهادة "يوتيوب" عندما ينقل بالصوت والصورة مشاهد لفتيات يركلن بعضهن بعضا بوحشية من أجل سيجارة "ماريجوانا" في أحد أحياء "منهاتن" !!

والأنظمة الدموية القمعية لن يفيدها اليوم أي "سيناريست" مخضرم ليحبك الأكاذيب حول ما يدور في الشوارع والحارات، فالمطالب بحقه ذو سحنة "حورانية" أصلية وليس مندسا أو مرتزقة !!

فلا داعي لقطع الكهرباء بعد اليوم، فعصر الجرائم تحت جنح الظلام ولى إلى غير رجعة، فـ "يوتيوب" جعل اليوم بساعاته الأربع والعشرين نهارا، والضحية لن تنتظر خيوط الفجر حتى تتعرف على ملامح جلادها، وجدران المسلخ صارت شفافة مهما حاول الدمويوين أن يزيدوها سماكة وتسليحا !!

لن يطارد الشاهد بعد اليوم في أي ميناء أو مطار حتى يقتل وتدفن معه الحقيقة، "يوتيوب" حي يرزق موجود في كل زمان ومكان، لا يموت ولا يبتز ولا يشترى، محايد حد نشر الغسيل الوسخ لأي نظام، حتى لو أدعى هذا النظام أنه قلعة الصمود الأخيرة الباقية في وجه المد الصهيوني ...

"يوتيوب" متعاطف اليوم مع أي "يمني" أو "ليبي" أو "أموي" مل النظام الدموي !!
http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الأربعاء، 20 أبريل 2011

الأربعاء السادس عشر - مفترق طرق



كلما أقبل ضاق صدرها، وإذا ما أدبر فكأنما بتلك الصخرة الجاثمة فوق قلبها، صارت حبة من سكر لا وزن لها، هكذا كان حالها في عهده، فوجوده في المنزل يعني الأمر والنهي، وخروجه منه يعني السكينة والسلام !

اليوم ... وبعد مرور سنوات على خلعه "خلع شرعي" كبدها الغالي والنفيس، صارت تصر على بقائه إلى جانبها، وإن كان هذا البقاء، بقاء رمزيا، فهو مجرد صورة شمسية في حقيبتها الشخصية !

وماالذي يجعلها تتوق حنينا وشوقا لـ "ديكتاتور" كانت أكبر أمنياتها الخلاص منه إلا تجربة ثانية أشد إيلاما عاشتها في نار "ديكتاتور" آخر !

حرقتها تفتر قليلا كلما رأت حال جيرانها الشبان الأربعة، هؤلاء الذين يبكون ليلا نهارا أمام صورة بالأبيض والأسود على طرفها الأيمن شارة سوداء لوالدهم البخيل، يبكون اليوم بعد أن ابتهجوا لوفاته قبل سنوات، فقد كان من دأب "المرحوم" أن يسمح لهم ساعة العشاء بأن يغمسوا الخبز بماء الجبنة البيضاء دون أن يأكلوا قطعة واحدة، وعندما فرحوا لوفاته وقررواأن يأكلوا قطع الجبن القابعة في (المرطبان) لأكثر من عشرين عاما، أغلقت أمهم (المرطبان) وسمحت لهم بأن يضربوا بلقمة الخبز على الزجاج الخارجي للـ (المرطبان) فقط (عالريحة) !!

شيئا فشيئا ... تعتاد عيش الضنك، وتسلم رأسها لمشيئة الأيام، فهذي الأيام علمتها أن هذا القدر الذي تعيش قدر جمعي موسوم على كل الجباه الشرقية، وهي ليست بحال أفضل من أختها الصغرى التي قبلت أن تكون زوجة ثانية خشية أن تواجه الباقي من الأيام بمفردها، ولكنها نادمة اليوم على أيام العنوسة بعد أن رأت ما رأت من الأفعى _الزوجة الأولى _ التي لها من الأولاد قردة خمسة، وهي تقول اليوم " عانس ألف مرة ولا ضرة مرة " !!

صورة الفتاة الليبية التي تحمل العلم الإيطالي في أحد ميادين مدينة بنغازي، والتي تناقلتها الفضائيات لم تلاق أي انتقاد، ذلك لأن إيطاليا عضو رئيس في حلف "النيتو" الذي يساند الثوار، بيد أن للمشهد تأويلا آخر في رأس بطلة قصتنا، فالعلم رفعته يد اللاوعي للفتاة التي تترحم على أيام الإستعمار الإيطالي، وهذا العلم ليس إلا صورة للـ"مرحوم" مثل صورة زوجها المخلوع التي تحتفظ بها في حقيبتها، وللفتاة الحق في رفع العلم، فحكم الطليان أهون وأرحم من حكم العقيد المصاب بالصرع والـ"بارانويا" !!

هذا هو قدر الليبين إما العيش تحت مطرقة العقيد، أو التمدد فوق سندان الغرب !

وتسترسل المرأة في التفكير، وتتسأل : لماذا علينا كشرقيين أن نفاضل بين أمرين أحلاهما مر؟ ثم تستذكر العبارة التهديدية التي قالها آخر رئيس مخلوع " إما أنا أو الفوضى" ! و تمضي إلى الوراء أكثر لتتذكر حزب البعث العراقي الذي كان يهز أفئدة العراقيين، هذا الحزب الذي ولى لتنوب عنه تفجيرات تزلزل الأرض والسماء في بغداد !!

ثم تضحك من أعماق قلبها عندما تستطلع المشهد العربي، فهم إما موالون لأنظمة فاسدة أو منخرطون في صفوف معارضة من العاهات، ولا تعجز عن تعليل السبب، فالأنظمة والمعارضة سقطت من رحم التخلف الإجتماعي ذاته !!

لا داعي اليوم لاستذكار الحديث النبوي الشريف "اذكروا محاسن موتاكم"، هكذا تقول في سرها فهي في كل يوم تذكرهم بالخير وتترحم على أيامهم الذهبية !!

تتنهد ثم تقول بحسرة : " هذا هو قدرنا أننا عندما نقف على مفترق طرق فأن كل الطرق تؤدي إلى الهاوية " ثم تعترض : " هل هو قدر بفتح القاف أم أنه قدر بكسر القاف نغلي فيه حتى نتبخر ونتلاشى " !!

تستغفر الله ثم تقول : " الحمد لله على كل شيء " ، تغرق في الصمت، " الحمد لله " تقولها مرة اخرى، ثم تكتب على قصاصة ورقية صغيرة :


" أولادي ... إذا ما وقفتم على المفترق ... شقوا طريقا جديدا حتى لو كانت أداة الشق الوحيدة المتاحة هي ... أظافركم " !!
http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/


الثلاثاء، 12 أبريل 2011

الأربعاء الخامس عشر - الرصاصة الطائشة



توجه جبر إلى محل كي الملابس الموجود في الحارة(ابونضال ستيم) ليتأجر بذلة، فاليوم حفل زفاف (ابن خال اخو اخت جوز امه اللزم).

ماكاد جبر يلقي التحية حتى ترك ابو نضال مكانه من خلف (جحش الكوي) وهم بتقبيل جبر بحرارة المشتاق الذي انتظر الحبيب دهرا، مع أنه التقاه في صلاة الفجر وقبله، والتقاه في صلاة الظهر وقبله ( غريبة ظاهرة التقبيل المتفشية في المجتمعات العربية).
جبر: ( بدنا تأجرنا بدلة مرتبة هيك على زوءك).
ابو نضال: ( شو رأيك بالبدلة النيلي اللي جرافتها حمرا هديك)؟
جبر: (يارجل هاي اللي أجرها المرحوم ابوك للمرحوم ابوي يوم ما تجوز المرحوم ابوي المرحومة امي).
ابو نضال: ( طيب شو رأيك بالبدلة الزيتية اللميعة هديك)؟
جبر: ( يا ابن الحلال هاي اللي حضرنا فيها عرس فريد الاطرش في المدرج الروماني).
ابو نضال: ( يبقى ما الك الا الكموني هديك).
جبر: ( مش هاي يا زلمة اللي حضرنا فيها افتتاح مجمع بنك الاسكان).
ابو نضال: ( تاخد سفاري)؟
جبر: ( يوووه ... هو في حدة لسه بلبس سفاري).
ثم وقعت عينا (ابونضال) على بذلة أحد الزبائن، فوسوس له الشيطان أن يؤجرها لجبر، فوافق الأخير على الفور، ثم دفع بالورقة الحمراء في يد (ابونضال) وانطلق مسرعا نحو البيت، ثم صرخ (ابونضال) موصيا: ( دير بالك على البدلة هاي ماركة بسام لوران).

مع أن موعد الا ستحمام الشهري لم يحن بعد، إلا أن الحدث استدعى جبر إلى عقد (حمام طاريء).
خرج جبر من الحمام، ثم ارتدى البذلة، سرح شعره بعناية، ثم مسحه بكمية وافرة من زيت الزيتون (الجل الخاص بجبر) الذي يضفي على شعر جبر تلك اللمعة المحببة إلى قلبه!! ، اعتمر كوفيته(فوق الزيت)، ثم أنهى تأنقه بلمسات من ماء (الكولونيا) المفضل عنده، والذي ابتاعه من المؤسسة المدنية ( فريسكال النوع الذي يستخدمه الحلاقون)، والذي طالما امتدحه جبر بقوله (مالو رخيص وكويس وابن ناس)!! تأمل نفسه في المرآة ، تفقد شاربه الشبيه بشارب (هتلر) معجبا بوسامته : شعر لامع يظهر من تحت (الشماغ)، ملامح (مسمسة) رغم أنفه الشبيه بحبة الطماطم!! أخذ نفسا عميقا ثم تنهد مخاطبا نفسه : ( آآآآآآه، والله شيخ الشباب يا جبر، بس حظك قليل)!! لطالما حلم جبر بأنه عريس في حفل زفاف اسطوري، يجلس إلى جانب عروسه الفاتنة الشبيهة ب(سميرة توفيق)!!


في الثالثة بالضبط كان جبر في مجمع المحطة، واقفا في الطابور، في انتظار الحافلة التي ستقله إلى حيث حفل الزفاف في بلدة بعيدة عن العاصمة، أخيرا جاء الباص، وصعد جبر، واستقر في مكانه المفضل بجانب النافذة، وانطلق الباص (يخضخض بها الناس)، اقترب (الكونترول) من جبر طالبا الأجرة فأخرج جبر خمسة عشر قرشا من جيبه فرماه( الكونترول) بنظرة كنظرة النسر وقال: (الأجر عشرين يابا)
جبر: ( بس انا نازل قبل اخر الموقف)
الكونترول ( مش مشكلتي، بدك تدفع الأجرة كاملة )
جبر: ( لاء ما بدفع، الله ما قالها أنزل بنص الطريق وأدفع كل الأجرة)!
فما كان من (الكونترول) إلا أن قام بحركة (كونغ فو) خاطفة وأخرج موسى وأخذ يلوح به بسرعة أمام وجه جبر الذي انخلع قلبه وأصبح وجهه أبيض كالشبح، وصار الباص في لحظات (طعة وقايمة) ولولا تدخل (وجوه الخير) لأصبح وجه جبر عبارة عن مجموعة شوارع!! كل هذه المجزرة بسبب (شلن) أو على رأي جبر (شلم)!!


المهم أن جبرا وصل سالما معافى الى البلدة في وقت مناسب، وتوجه الى منزل والد العريس، ودخل الى (الشادر) وجلس يتبادل الاحاديث مع الموجودين في انتظار حفل الزفاف الذي سيبدأ بعد حوالي أربع ساعات!!


كان جبر سعيدا لرؤية ( مرعي) المقرب إلى قلبه، ومرعي هو أحد أقارب العريس، كان مرعي بين الفينة والأخرى يقطع الحديث ليضبط صوبة (الفوجيكا) مرة، وليضيف اليها (الكاز) مرة وهكذا، إلا أن هذا لم يمنع جبرا من الاستمتاع بحديثة مع (مرعي) الذي انتهى بعد لحظات قليلة بسبب حضور (المناسف) المكللة باللحوم والبقدونس!!


في ثوان قليلة كانت (المناسف) قد أحيطت بالرجال من كل حدب وصوب، أما جبر فقد اتخذ مكانه بجانب (مرعي) صديقه الحميم، شمر جبر عن ساعديه، وانكب فوق (المنسف) كالأسد الهصور، (واشتغل التكميس) .


استمتع جبر بالطعام لكنه أحس بطعم كطعم (الكاز) في (المنسف) لا يدري من أين أتى، لكن جبرا متأكد من أنه غسل يديه جيدا قبل الأكل، وقال في نفسه "ماعلينا" وظل جبر يأكل مرددا : (اللهم أدمها من نعمة واحفظها من الزوال)!!


كان جبر يتحدث مع (مرعي) اثناء الأكل، ولكن (مرعي) لم يكن يجيب، فنظر إليه جبر ليرى ما الأمر، فأذا بمرعي يأكل بتلذذ عجيب!!


انطلق موكب العرس متوجها إلى منزل العروس، وكان جبر سعيدا لفرح أقاربه، راكبا في السيارة يغني ويصفق وقد خلع عقاله وأخذ يلوح فيه مرددا بحماس أغنية ( اردن الكوفية الحمرا ، اردن الجبهات السمرا، هيه ،هيه، هيه) فجبر مواطن بسيط يعشق الوطن وأفراح الوطن!!


وصل الموكب بسلام، ونزل الجميع رجال ونساء وأطفال يركضون هنا وهناك، وقد سدوا الشارع من كثرتهم، خرج العريس والعروس من منزل والد العروس على أنغام الفرقة الموسيقية التي كانت تصدح موسيقاها في الشارع، كانت العروس في أوج انوثتها لولا ذلك الشارب الخفيف الذي يزين وجهها فوق الشفة العليا، أما العريس فقد كان رجولة حقيقية لو أنه ملأ بذلته قليلا، فقد كانت البذلة (مبحبحة) وعلى ما يبدو أنها بذلة أخيه الأكبر الذي عرف عنه بأنه (جهامي) ، مما جعل جبر والناس يظنون أنه ارتداها مع (العلاقة)!!


صنع الشباب حلقة دبكة وأخذوا يدبكون بفرح، فيما جبر في وسط الحلقة يقوم بالدبك والقفز مستعرضا مهاراته وكأنه في العشرين!! (اشتغلت الطخطخة) رصاصات تتطاير هنا وهناك والموسيقى تصدح والطبول تدق، كانوا يرقصون على أغنية (جيشنا جيش الوطن) وجبر يتطاير من الفرح ، يقفز ويدبك ويطلق (شلاليت ومقصات) في الهواء وهو ممسك بعقاله خشية أن يقع!!
وفجأة...
انطلقت رصاصة من فوهة أحد المسدسات وفي ثوان قليلة اخترقت الجموع لتصل إلى ... جبر!!
طارت كوفية جبر بعد أن أخترقتها الرصاصة التي لم تصب رأس جبر، ولكن جبر خارت قواه من فرط الرعب والهلع، وأحس بأن ساقيه لا تحملانه فسقط على الأرض وأحس بأن الأرض تدور من حوله، وزاغ بصره ولم يعد يسمع أو يرى شيئا سوى أضواء ساطعة وظلام دامس، وصوت طبلة، ونساء (تولول) وتصرخ، وأصوات رجال، وبكاء أطفال، ثم انقطعت كل الأصوات، ولم يعد جبر يرى شيئا، لقد أغمي عليه ...
استفاق جبر ليجد نفسه ممددا على نقالة (الدفاع المدني) وراح يتفرس في وجوه الحلقة البشرية المتجمهرة حوله والتي رفعت هواتفها النقالة لتصوير ضحية رصاصة العرس الطائشة في مشهد لطالما حلم جبر به، فقد كان يتمنى وهو صغير بأن يكون قبلة عدسات الكاميرات على غرار نجمه الشهير ملك البوب (مايكل جاكسون) مع الفارق البسيط بينهما لأن جبر كان ملك (الدبكة)، ثم تعالت الصيحات والهتافات والتصفيق والصفير ممزوجة بزغاريد النساء المزعجة وأصوات من هنا وهناك:( حمد الله على سلامتك يا حج).
قال جبر بصوت خافت: (حج؟ فجة تفجك فج، انته وياه، انا اصغر منك ومنو ولا).
تحسس جبر رأسه فلم يجد الكوفية، ثم قال (وين الشماغ)؟


ما هي الا ثوان معدودات، حتى أقبل طفل مسرعا وهو يحمل الكوفية والتي كانت تقطر زيتا من الثقب المتسع الذي خلفته الرصاصة الطائشة وناولها جبر قائلا:( خود عمو، فكرتها صحن فول من كتر ما عليها زيت)!!!


أخذ جبر يتفقد ملابسه كالمجنون صائحا: (البدلة، البدلة، والله لو صار فيها اشي ليدفعني ابو نضال حقها الشيء الفلاني، هاي ماركة بسام لوران)


فصاح أحد الشباب:( لا تخاف يا حج كلها على بعضها ما بتسوى عشرين ليرة، ما تخاف هاي بدلة صيني مش اف سان لوران!!


تحول العريس إلى سجن الجويدة، أما العروس فراحت تبكي وتندب حظها الأسود الذي لم يفلح بياض ثوب زفافها بالتخفيف من ظلمته، وقيدت الرصاصة ضد مجهول، وذلك المجهول هو الذي كان أول من صور جبر أثناء احتضاره على نقالة (الدفاع المدني)، وكان أول من أنزل المادة التصويرية على موقع (يوتيوب) تحت عنوان:




" ظاهرة اطلاق العيارات النارية...... الى متى"؟؟
http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/