الأربعاء، 6 فبراير 2013

الأسبوع أربعون - ليلى وعشاقها الألف






    صديقة "أعجمية" عمر صداقتي بها من عمر "ماسنجر الياهو" خاصتي، أي أنها كانت الساكنة الأولى في ذلك "الماسنجر" الذي صار اليوم برجا يسكنه أكثر من مئة وأربعين كائنا إفتراضيا !!
ومن دأبها مذ عرفتها أن تظهر زمنا وتختفي آخر، لكن اختفاءها المتكرر لم يكن ليثير في نفسي أي تساؤل، فـ"الأعجميات" مثيلاتها اللواتي يكن في العقد الثالث من العمر لا تطول فترة عنوستهن الموسمية أكثر من شهرين، فالولوج في علاقة جديدة في الغرب أيسر من إعداد فنجان قهوة !!
عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة، هذه الأمثولة هي أحد مبادئي في الحياة، لذلك لم أكن لألومها على اختفائها وهجرانها المتكرر لنا نحن معشر الكائنات الافتراضية، فحبيب حقيقي خير من عشرة على "الماسنجر" !!
ولا أزل أذكر ذلك الزمن الأول الذي تعارفنا فيه، كنت وقومي في عينها الزرقاء مجرد بدائيين يمتطون الجمال بحثا عن عين ماء ليدقوا خيامهم حولها!!، ولكني لم ألبث أن حطمت تلك الصورة المغلوطة عن العرب والتي كرستها "هوليود" في أذهان الغربيين، وبدلتها بلوحة زاهية الألوان، تعكس مدى التطور الذي وصلنا إليه، وللحقيقة ... لم أواجه أدنى صعوبة في ذلك، فقد قمت بإرسال ملف صور لبلادي، صورة لفندق الرويال، صورة لمجمع بنك الإسكان، صورة لعمارة البرج ...، مجموعة صور من تلك التي ترافق الأغاني الوطنية التي تبث يوميا قبل أخبار الثامنة مساء، مع الحرص بالتأكيد على أن تكون تلك الصور ملتقطة بأيد مدربة ومن مسافات شاهقة _ من طائرة عامودية _ أي أني توخيت الحيطة لعدم ظهور أي مشهد أرضي، فقد تحسبني من كوريا الجنوبية حين ترى ذلك الكم الهائل من سيارات "الكيا سيفيا"، أو من تركيا عندما ترى أسياخ "الشاورما" التي فاقت في أعدادها البشر !!

نحن في الشرق نتظاهر بما ليس فينا، فعندما تخرج المرأة المسترجلة والتي تحكم زوجها بـ (الشبشب) إلى السوق، تسرف في ارتداء الملابس الزاهية الموردة، وذلك لتفصح عن كمال أنوثتها، وعندما يرتدي جارك (
السرسري) الذي أمضى العمر في عقوق والدته قميصا صيفيا قصير الأكمام، فإن أول ما تقع عيناك عليه هو تلك العبارة الموشومة على ساعده بخط ركيك " لن أنساك يا أمي"!!، حتى لقد انتقلت هذه العدوى إلى الجمادات، عندما صار من المألوف أن تقرأ على سيارة الأجرة المتهالكة عبارة " لا تلحقني مخطوبة"!!
وعندما طال شرقنا أول خيط من خيوط الشبكة العنكبوتية، وجدنا في تلك العوالم الافتراضية ضالتنا، فالشاب الذي لم يعرف من النساء إلا أمه كتب على الـ " status" خاصته " الرجل الذي قهر ألف امرأة"، والفتاة التي تشبه كل شيء إلا النساء كتبت على الـ"status" خاصتها "بدر البدور"، وحتى الشاب الذي يعمل بواب عمارة في بلد عربي مجاور كتب " Arabian prince in usa" !!
أما في الغرب، فالصورة مغايرة تماما، فهم لا يسلخون عالمهم الواقعي عما نسميه نحن العالم الإفتراضي، فأسماؤهم على " facebook" أو على أي موقع إجتماعي آخر هي ذاتها في جوازات سفرهم، وفي كل ظهور جديد لصديقتي بعد غياب، تظهر عبارات تعبر عن الحالة السيئة التي تعيشها عبارات من مثل " in depression"، أعرف فور قراءتي لها أن حالة الحب التي كانت تعيشها بردت وفي طريقها إلى الانجماد، ثم تشرع في سرد اللحظات التي عاشتها مع حبيب لا يستحقها، ففي كل مرة تصور لي أنها الضحية التي يستغل طيبة قلبها الرجال الشياطين ! ثم تقر بأنها كانت في الطريق الـ "wrong" فأتمنى لها بدوري كصديق يشاطرها الأفراح والأحزان أن يمن الله عليها بـ الـ " right one" !!

وعندما تنتهي من سرد الأحداث، تبدأ بطرح حزمة من الأسئلة عن كل ما يخصنا كشرقيين، فأقوم أنا بإضافة ما أمكن من الألوان الجميلة على اللوحة، وهكذا صارت تعرف عنا الكثير، عن عاداتنا في الزواج، وعن صلة الرحم، وعن شرفنا الرفيع الغالي، وذهبت أبعد من ذلك عندما أنتسبت إلى عمرو دياب "fans club"ـ حتى لقد أصبحت تعرف (المقلوبة) و (الكرشات)!!
مر على آخر ظهور لها أكثر من عامين، ولكني صراحة لم أشتق للحديث معها، بل على العكس، فقد ندمت كثيرا على أيام سفكت ساعاتها خلف شاشة الحاسوب في الحديث معها ومع غيرها، ومنذ أن مر عام على اختفائها وأنا أدخل بالنظام المخفي، حتى أنني في الشهر الأخير لم أعد أزور "ماسنجري" إلا قليلا، ولكني اليوم نادم جدا على اتخاذي مثل هذا القرار، وقد قررت أن أنشط الكترونيا أكثر من ذي قبل بكثير، فقد كان قرار ابتعادي عن هذا العالم أكبر أخطاء حياتي، أو على رأي صديقتي أكبر (رونغاتي)، وأنا بصدد إنشاء حساب على " twitter" وعلى "hi5" وعلى المواقع الإجتماعية ألأخرى، فعندما يقرر رجل مسكين مثلي أن يبتعد عن عالمه الإفتراضي، فإنه لن يجد نفسه إلا متسمرا كل ليلة أمام شاشة التلفاز لمتابعة "زهرة وأزواجها الخمسة"، فما الفرق بين صديقتي الأعجمية التي كانت تسرد علي حكاياتها العشقية و "زهرة" التي تقص على جميع الرجال حكايتها الزوجية !!، بل على العكس، فأن حكايات صديقتي غير خاضعة لمقص الرقيب، كما أنها خالية من الإعلانات التلفزيونية والتي تطول مدة عرضها عن مدة عرض المسلسل، كما أنني كنت أحرص على تجميل صورتنا أمامها وأمام غيرها، وبناء على ماسبق سأشرع في التعرف إلى "شتيفي" الألمانية و" أوكسانا" الروسية، و"موغانابي" الموزمبيقية، و"تريسي" الأمريكة، وسأستمع بالتفصيل الملل إلى حكاياتهن الغرامية، بل أنني سأذهب إلى أبعد من ذلك عندما أقوم بحفظ الحوارات كلها على ملف خاص، ثم أنمقها وألصق كل الحكاية ب، "ليلى" العربية، وأقترحها سيناريو لرمضان القادم علني أدخل إلى عالم الفن من أوسع أبوابه، وسوف أسمي هذا المسلسل " ليلى وعشاقها الألف" !!



الأربعاء، 23 يناير 2013

الأسبوع التاسع والثلاثون - رسالة إلى إمرأة (1)




    بدءا  دعك من الواقفين ليلا نهارا عند باب سمعك، هؤلاء الذين ما انفكوا يرددون بأنك ناقصة عقل ودين؛ فالجنة تحت أقدامك منذ ألم الطلقة الأولى المتبوعة بمتوالية طلقات كادت أن تمزق جسدك الضعيف في سبيل أن تعطي الحياة لآخر !
حملتهم في بطنك أشهرا تسعة، ثم غفوا على يديك آمنين، أرضعتهم النور من ثديك، ولما أتممت نورك عليهم، شقوا من الليل قطعة شديدة السواد ودثروكي بها وأسموكي "ليلى" !!
وسخروا يا "ليلى" من طيبتك التي يسمونها (هبل)، لابأس ... فألف "ليلى" ولا نصف "ديب"،  قولي لهم أنني أكلت لما كنت أحمل سلة فيها طعام جدتي المريضة، لكني لم أسرق سلة غيري بما يسمى عندكم (حداقة)، دعك منهم ومن (حداقتهم) يا ليلى فكلهم لصوص : الحاكم سرق شعبه، والمدير شرب عرق أجيره، والأجير عينه تمتد إلى ما في يد من هو أدنى منه في سلم الشقاء !
 وجثيت على ركبتيك خشية أن تؤلمهم رقابهم عندما كانوا يتعلمون الهجاء من شفتيك، وبيمينك أعطيتهم رغيفك دون أن تمدي يسراك لتأخذي المقابل؛ فالعطاء عندك غير مشروط، فلما تعلموا منك الكلام هجوك !!
وبعد نهار امتص فيه التعب آخر قطرة من حيويتك، نمت على ظهرك المهدود مثل جثة، بكى رضيعك لسبب مبهم، هرف الأب بكلمات من اختلط عليه النوم باليقظة (سكتي هالزفت!!) ثم أطلق شخرة طويلة وتابع الحلم ناسيا أنه كان ذات زمن (زفت) آخر، غادرك النوم وراحت يداك المتعبة تهدهد جسد طفلك الصغير، وبذلت جهدا ذهنيا آخر في تأويل سبب بكائه، وجلس التعب في زاوية الغرفة المظلمة يفكر في امرأة ضئيلة البنية أذاقته مرارة الهزيمة بسلاح عصي على الفهم يسمى أمومة !!
سفهوا أحلامك وتصرفاتك، كنت طفلة وكانوا أطفالا، راح شعرك يتراقص بينما كنت تركضين في البستان لتجمعي الأزهار، سخروا من هوايتك التي بدت في عيونهم سخيفة، وراحوا يستأنفون أمورا جادة مثل هواية دق أجراس البيوت ثم الهروب !!
كبرت قليلا، اتسعت عيناك شوقا أثناء سماعك للقصة التي كانت ترويها لك أمك، ورحت تلحين بالسؤال عن النهاية، ملوا مما أسموه ثرثرة فارغة، وانصرفوا إلى كلام جاد، يناودن بعضهم بعضا بالألقاب، هذا (ابوكرش) وهذا (ابوراس) !!
 صرت صبية أطالت الوقوف أمام المرآة، فدعوا مثبت العقل والدين أن يحفظ عقولهم من الذي ابتلاك به، ولو أنها تتكلم المرايا يا "ليلى" لقالت لك كم من "البوزات" أخذوا أمامها في النادي بين البكرات الحديدية ثقيلة الوزن ليتحققوا من محيط الذراع المطلوب !!
 لا زلت صبية  تهرب منك الدمعة على بطلة المسلسل التركي، رموك بنظرة استصغار، ثم ضربوا كفا بكف محوقلين، وكسروا المقهى ليلا عندما قهر المراهق "رونالدو" خصمه الولد "ميسي" !!
تزوجت وصرت طباخة ماهرة برتبة "شيف"، تقبض بأصابعها الناعمة على أًصابع زوجها الخشنة كي لا يأكلها كلما فرغ من الطبق المحفوف بأنفاسها، ولما أخذتك الحماسة ذات مرة، ازدادت حرارة أنفاسك حتى أحرقت (الطبخة)، فأنكر زوجك تاريخك وكاد أن يحرق البيت غضبا، واستنكر إطالتك الجلوس على (قناة فتافيت)، ثم استبدل القناة بقناة إخبارية، وشرع يحلل لك كل شاردة وواردة في الأخبار، وأعطى رأيه الغير قابل للجدل بمآل الأحداث السياسية في الأيام القادمة، رغم أن صناع الحدث أنفسهم لا يعرفون إلى أين تذهب مآلاته !!  
 قالوا عنك نصف المجتمع وتركوا النصف الآخر للمجهول، فيما تعرف دواخلهم أن المجتمع نصفه امرأة ونصفه الآخر أنثى؛ فعندما انصرفوا شرقا وغربا باحثين عن ذواتهم، كنت أنت هنا تصنعين ألف ذات بهيئاتك المتعددة: معلمة تربى على يدها الطبيب والمهندس والخباز، ممرضة طببت جراحهم بيدها وداوت نفوسهم المتعبة ببسمتها !
   فكبري عقلك ولا تلتفتي إليهم، ولا تبحثي في أمهات الكتب عن كلمات ترفع من شأنك، فرفعة مقامك من المسلمات التي لا شك فيها، فالذي حط من قدرك حط من قدر أمه و أخته وابنته و زوجته ..، المنتصر يا "ليلى" صامت والمهزوم ثرثار، والكبار يا عزيزتي لا يردون بل حتى لا يرون الصغار !!





الأربعاء، 16 يناير 2013

الأسبوع الثامن والثلاثون - الإعصار "كريمته"




    ذات يوم قادم، سيدخل أحد أحفادك إلى الصيدلية يشكو ألما خفيفا في المفاصل، يطمئنه الصيدلاني بأنه سرطان خفيف، يصرف له مضادا حيويا رخيص الثمن، وتنتهي الأوجاع في غضون أربع وعشرين ساعة !
 العلم في تقدم مستمر حتى أنك صرت تعرف مكونات الشمس التي لم تصل إليها، والفضول الإنساني لا ينفك يلاحق كل ما هو ملغز؛ فالإنسان عندما فرغ من تشريح جسده راح يسبر دهاليز نفسه، يريد أن يعرف كل ما يدور من حوله وفي داخله ! ولن يقتصر الفضول على العلوم المجردة، فللعلوم الشعبية نصيب من ثورة المعرفة، فذات مستقبل، سيعرف حفيد آخر لك اسم (الشو اسمو) التي كنت تقحمها في عباراتك بمناسبة وبدون، وسيعرف ما هو شغل (الشغلة) التي كنت دائما تشتمها (شو هالشغلة ... يلعن هيك شغلة)، وسيتم الكشف عن هوية المجهول الـ(بقلك) دائما، هذا الذي كانت تنسب له كل الأخبار (بقلك راح يرفعوا سعر الكهربا) !!
كل شيء ستسقط ورقته عن شجرة المجهول، باستثناء شيء واحد، المرأة التي ستموت ويموت سرها معها، فلا أفلاطون ولا سقراط ولا ديوجين ولا فونت ولا جيمس ولا فرويد عرفوا عنها أكثر من شكلها المادي، فهي كائن لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، أو حالته المزاجية متقلبة الطباع !!
صبية تنبض بالحياة تملأ سيارتك مكشوفة السقف رقصا وتصفيقا، ثم تطلب منك بتذمر أن تعود بها إلى منزلها ذلك أن الجولة على حد قولها كانت مملة ! يسارية تملأ الميادين حماسا ودبكا على أيقاعات (ابوعرب) الثورية، وفي الليل تنام على رومانسية "مروان خوري" حاضنة (دبدوبها) الأحمر! (مستجوزة) في عينها ألف كلمة تعال، وعندما تدنو منها يستدير رأسها إلى الجهة المعاكسة وتقول لك أنك آخر من يمكن أن تفكر فيه، تولي مدبرا بعدما صدقت ذلك، فتعاتبك بعدها لأنك ابتعدت عنها ولم تترك الفرصة لشجرة الحب أن تثمر ! بتول خجولة تمشي على استحياء، عيناها لا ترتفعان عن الأرض حد تمني معرفة لونهما، تصادقها، تأتيها ساعة الجنون ذات نزهة، فتواجهك بعين أقوى من عين "صفية العمري"  !! 
 أم حنون تشكو لها ضيق الحال وقلة الأشغال، تطرق متعاطفة، ترفع كفيها إلى السماء متضرعة إلى الله أن يفتحها عليك، ثم تذكرك عند الباب بأن تحضر في طريق عودتك وجبة مأكولات بحرية وتحلية خفيفة ! متزوجة تحرك الطبخة بيد وتقبض على سماعة الهاتف بالأخرى، ، تناقش آخر المستجدات في خطبة ابن (ام محمد) يتخلل النقاش الحديث عن قضايا سياسية كبرى، تسترسل في الحديث، يخرج من فمها مفردات من الشرق والغرب، يزل لسانها كثيرا حتى يعرف المتلقي لون سروال زوجها الداخلي، يصبح أصل الحديث الزلل والمنطق زلات عابرة، ثم تستغفر الله بعد أن تغلق الخط، وتلعن فمها الذي يخرج منه كل ماهو غير متوقع، مثل قبعة الساحر التي تخرج منها الأرانب والمناديل الحريرية !!
كل هذا وتقوم ناشطات بالاعتراض على تسمية الأعاصير بأسماء نسائية، ففي الغرب الذي يسمي الأشياء بمسمايتها دونما أي مواربة، تسمى الأعاصير بأسماء نسائية من مثل "ساندي"، "ريتا"، "بيتسي"، "كاثرينا"، لما في الإعصار من أوجه شبه عديدة مع المرأة فكلاهما لا يمكن التنبؤ بأفعاله ..،  ألم تصارحك زوجتك ذات صباح بأنها لم تر يوما حلوا واحدا منذ أن رأتك، بعدما كانت تقسم في الليلة السابقة بأنك شمعة عمرها !!
ثمة اختلاف في بلادنا، فكل مؤنث عيب حتى لو كان اسما، لذلك فقد كذب علينا مذيع الإعلام الرسمي العابس سنوات طويلة حتى تمكن من إقناعنا بأن الإعصار هو ذكر خالص واسمه منخفض، لكن الحال تبدل في السنوات الأخيرة وصار مذيع الإعلام الرسمي يكذب على الفراغ عندما دخلنا عصر الفضائيات والشبكة العنكبوتية، فالناس أخيرا عرفت حقيقة جنس الأعاصير !!
وهكذا وجدت بعضهم يسمون النسخة الأردنية من الإعصار الأمريكي "ساندي" باسم الإعصار "فتحية"، بيد أن أحد المخاتير المتمسكين بالتراث رفض التسمية، واقترح اسم "وضحا" كونه أكثر تجذرا في الفلوكلور الأردني، لكن ذلك لم يعجب الإسلامي المعارض، فأصر على تسمية الإعصار باسم "نزيهة" لما حمل من رياح عاتية نزيهة اقتلعت خيام وصور (الشنب والزقم والخشم والبراطيم) المرشحين للانتخابات النيابية القادمة، الاسم الذي لاقى ارتياحا في الأوساط التي تكره الصناديق التي لا تقبل القسمة إلا على صوت واحد، لكن رجلا محافظا أفسد نشوتهم عندما قال أن لا تسمية للأعاصير بأسماء سيدات ما دام أن الإعصار فوق أرضنا فهو (عرضنا) !!
اشتعلت الخلافات، وانقلب الناس بعضهم على بعض إلى أن رفع طفل صغير صوته مقترحا اسم "كريمته" ..، عم الصمت برهة، تسأل أحدهم : ومن تكون "كريمته" هذه، رد الطفل ببراءة : هذي التي تتزوج في العام ألف مرة، فاسمها موجود على أغلب بطاقات دعوات الزفاف ..، أطرق الجميع ثم ما لبثوا أن هزوا رؤوسهم موافقين، ثم علا صوت المحافظ قائلا : شريطة عدم وضع صورتها أو رقم هاتفها !!
أشرقت الشمس من جديد، ورحل الإعصار "كريمته" إلى مكان مجهول، وعادت الحياة إلى سابق عهدها ..، وأنا أفكر جديا بالرحيل عن هذا الكوكب المليء بالنساء والأعاصير، ففي لأعاصير غرقنا وعلى الأسماء النسائية اختلفنا !!

www.osbo3yatjaber.blogspot.com


الأربعاء، 9 يناير 2013

الأسبوع السابع والثلاثون - بعد ما شاب زفوا الأصحاب




   على سريره الانفرادي حلم بالزواج طويلا، وكاد أن يسلم رأسه الفضي إلى اليأس مرات كثيرة، تحديدا، عندما كنت وبقية الأصدقاء المتشائمين نردد على مسامعه أن ألف حلم لا تأتي بواقع واحد، بيد أنه ظل يحلم حتى غادره الحلم يائسا وعاد حقيقة تمشي على قدميها، وها هو اليوم في طريقه إلى وضع اللمسة ما قبل الأخيرة ..،  شراء سرير (مجوز) !
وفي سبيله إلى ذلك الحلم العربي ماتت أجيال، وجاءت أخرى، وسقطت دول، وهرب حاكم وجاء آخر، لذلك، وإيمانا منه بخيالي الواسع وقدرتي على التعامل مع كافة الظروف؛ فقد رغب إلي أن أقوم بإخراج ذلك الحدث العظيم إلى الضوء بمنتهى البهاء؛ قرب رأسه الأبيض إلى رأسي النصف أبيض أثناء جلوسنا في المقهى المتداعي وهمس " اتكالي على الله ثم عليك..، أريدها ليلة العمر..، ولا تنس أن التاريخ كون في كتبه آلاف الجمل الجديدة أثناء تكويني لنفسي" !!
انتفضت من فوري وأعلنتها حالة طوارىء، وهكذا وجدتني أتنقل بين صالات الأعراس حتى أتخير الصالة الأنسب التي تليق بهذا الحدث التاريخي، إلى أن اهتديت إلى صالة (شرحة) بسعر يتناسب مع حجم جيبه الضئيل على الطريق الصحراوي !!
 وأمضيت وقتا طويلا في البحث عن بذلة مناسبة تليق برجل سيكون له دور البطولة للمرة الأولى بعد أن أمضى عمرا طويلا في صفوف "الكومبارس"، وفي النهاية استقرت ذائقتي على جاكيت بذلة أسود صيني نخب أول،  وبنطال كموني حتى يقيه شر (النفخة) التي تملأ معدته في المواقف الصعبة؛ فهو صاحب قولون سيء المزاج (عصبي) جدا، وكنزة صوفية سماوية  لدرء شر العين ( قبة خنق) حتى تخفي تجاعيد الرقبة، وحذاء أبيض (مستعمل لكن بحالة جيدة) أملا مني في أن يكون الباقي القليل من أيامه على وجه الأرض أبيض، أما بطاقات الدعوة، فقد احتفظت بأكثر من نصفها لأن أغلب أسماء أصدقائه الموجودة على القائمة المكتوبة بخط يده أعطونا ما تبقى من أعمارهم !!
 وفي يوم الزفاف الذي تزامن مع عيد ميلاده الخمسين، وقف أمامي وقد ترقرقت الدموع في عينيه وذكرني بأنه هرم من أجل هذه اللحظة التاريخية (دون أن يمسد شعره الذي صار أسود بفضل الصبغة )، ثم أوصاني أن أملأ الصالة فرحا وبهجة أنا والبقية من الأصدقاء، ذلك أن الإتكال على الله ثم علينا بعد أن مات الوالدان والكثير من أقاربه في رحلة (تكوين النفس)، وأن الشجرة المقطوعة التي هو منها لا تجيد الرقص أبدا !!
وكان له ما يريد، فقد رقصت وقفزت وتطايرت أنا وبقية الأصدقاء الشياب في (الزفة)، ثم وبحركة خاطفة، وعند باب الصالة تحديدا، قمت بدس حبة بيضاء مميعة للدم في جيب بذلته حتى يتناسب جريان الدم مع خفقات قلبه التي ترقص، وحبة أخرى زرقاء اللون حتى لا يخرج صغيرا من الليلة الكبيرة !!
وفي الداخل أشعلناها رقصا ودبكا، حتى أن العريسين الفرحين لم يتمالكا نفسيهما، فشبكا الأيادي معنا للدبكة، وصرنا نضرب الأرض بقدم، ونرمي الأخرى في الهواء عاليا، مما اضطرني للفت انتباه العروس ألى أن (الدوالي) في قدميها قد ظهرت أكثر من مرة أثناء رفعها لقدمها، كما ذكرتها بأن العريس يريدها أن تكون بكامل جاهزيتها، فقد تتسبب الضربات القوية المتتابعة على الأرض بكسر قدمها لعلمي أنها مصابة بهشاشة العظام !، كما أنني همست في أذن العريس أن يجلس خشية أن يتسبب العرق في انحلال الصبغة السوداء !!
وهكذا قمنا بالواجب أنا وبقية الأصدقاء الهرمين، وفي ختام الحفل، ولأن العروس المخضرمة طاعنة في السن والتجارب، وواسعة الثقافة والاطلاع، استدارت وعلى طريقة الأفلام الأجنبية رمت باقة الورد لصديقاتها، فوقعت الباقة في يد ستينية عانس، فشهقت ... معقول ؟؟ فرد أحد الأصدقاء " تفاءلي بالخير يا (حجة) أن الله على كل شيء قدير، يجعل الغصن أخضر في الخريف"، فأجابت بامتعاض سببه استعمال مصطلح (حجة) بأن سنين عمره الطويلة التي جعلت رأسه أبيض لم تكن كافية لتعليمه أدب مخاطبة الآنسات !!
انتهت ليلة العمر التي احتاجت إلى عمر من التعب في أقل من ساعتين، ومضى كل إلى غايته؛ كل شيء كان حاضرا، البهجة، الابتسام، الرقص، كل شيء كان بهيا، نضرا، فتيا ... إلا القلوب !!

الأربعاء، 2 يناير 2013

الأسبوع السادس والثلاثون - عائد إلى السرب



      سألتني جارتي السمينة التي كانت دليلي إلى بيت الفتاة البيضاء (المعدلة) التي تركت يدي ممدودة إلى الهواء عندما طلبت يدها، ما إذا كنت حزينا بسبب ذلك الرفض، تبسمت حتى صارت وجنتي مكان عيني أن لا شيء يستحق الحزن، ردت السمينة البسمة بالبسمة وأكدت أن الفتاة هي التي خسرت بسمة أجمل من بسمة إعلان معجون الأسنان "كلوز أب" !!
 وبلغة جسد تنم عن إنسان متفائل، ووجه باسم، رحت أشرح لها كيف أني أنظر إلى كل شيء في هذه الحياة بإيجابية عز نظيرها، وأن النجاح المدوي هو حاصل جمع تجارب فاشلة كثيرة، وأني سبقت أولئك الذين ينظرون إلى النصف الممتلىء من الكأس عندما ملأت كأسي حتى الحافة بالأمل، فلا فراغ موجود أصلا ! قالت السمينة بعد أن خرجت منها تنهيدة طويلة كادت أن تطيرني إلى الرصيف المقابل " أما أنا فلا كأس لي، فـ(البغل) زوجي كسر كل كؤوس البيت على رأسي، حتى ما عاد لنا شيء نشرب فيه " !!
مشيت وابتسامتي المعهودة تزين وجهي، بائع الخضار الذي باعني (ضمة) بقدونس ذابلة بسعر رطل من فاكهة الكيوي رد على تحيتي الصباحية له بـ(أهلين بسام)، فالناس هنا ينادونني بصفتي لا بإسمي الذي اختارته جدتي لي على عجل ثم ماتت دون أن تكلف خاطرها برؤية ذلك النادر ..، دائم الابتسام، حتى أن أحدهم قال لي ذات يوم أن ابتسامتي مثبتة على وجهي بـ"سبراي تافت" للأجواء الثلاثة، وحقي أن أكون (بسام) وليس (نادر) ..، (أهلين بسام) قالها صاحب البقالة الذي باعني الشهر الماضي علبة تونا منتهية الصلاحية بعد أن رفعت له يدي محييا، ولأنني كما ذكرت إيجابي لم أحسب أن بائع الخضار غشني عندما باعني البقدونس بسعر الكيوي، إن هذا إلا وضع للأمور في مسارها الصحيح حتى تشعر الناس بالقيمة الغذائية العالية للبقدونس، ولولا علبة التونا الفاسدة لما حظيت بغسيل معدة أعادها نظيفة مثل معدة طفل حديث الولادة !!
إيجابي وأعرف المقاصد من المواقف الصعبة، فعندما أكون ضمن الواقفين الذي يتجاوز عددهم ثلاثة أضعاف عدد الجالسين في حافلة النقل العام، أعلم أن الحكومة تستطيع تأمين حافلات أخرى، إنما هي "بروفة" وتذكير بيوم الحشر حتى تظل الناس قريبة من الله، وإن لم تخل هذه الـ"بروفة" من الضحايا من كبار السن والمصابين بالربو شأنها شأن المناورات العسكرية التي تكون فيها احتمالية الموت واردة، فالحكومة تسعى لتأمين مواطنها في الدارين الأولى والآخرة !!
الصورة في عيني ملونة، درجة الحدة فيها عالية، أدخل إلى الأحياء العشوائية فأراها لوحة سريالية  هاربة من فرنسا : عمارات اسمنتية بألوان داكنة وأخرى باهتة ( حسب درجة الرطوبة التي عشعشت فيها) هوائيات مائلة بفعل الرياح، صحون لاقطة سوداء وبيضاء وأخرى بلون الصدأ، غسيل متدل من الشرفات مختلف الأشكال والأحجام الألوان (حسب المتاح في سوق الملابس المستعملة)، وأروح بعيدا في ايجابيتي عندما أحاول أن أفسر كل تفصيل في اللوحة، فأتوقف مثلا عند تفصيل الغسيل المنشور وأتفحص بعناية سجادة الصلاة المنشورة بجانب حمالة الصدر؛ وأذهب في تأويلي إلى أن الرسام قصد أن يجسد في لوحته التعايش السلمي بين الفضيلة والرذيلة في هذا الحي المتسامح !!
  وأعجب من متشائم جاهل يدعي بأن رؤية هذه الأماكن و الأحياء تسبب التلوث البصري، وأعزو جهله هذا إلى تدني ذائقته الفنية، فلما كانت أوروبا نظيفة ومنتظمة حد الرتابة، ذهب فنانوها مذهب العشوائية فامتزجت الألوان الحارة بالباردة فوق اللوحات الزيتية، ونحتت تماثيل لنساء برؤوس حيوانات، وأخرج الفنانون ما في رؤوسهم من خيال وأحلام، وما في عقلهم الباطن إلى العلن ليدعوا ولادة الفن السريالي فوق أراضيهم وهو مولود هنا أًصلا !!

محكوم بالأمل والتفاؤل ولامكان للتشاؤم في عيني، فأنا أريد أن أجد لجناحي مكانا في السرب الذي سبقني في التحليق عاليا إلى حياة مثالية، فقد طال مكوثي على الأرض وحيدا؛ أريد أن أخطب فتاة لا أمل الجلوس مع والدها الذي سأزوره كل يوم بكف حاملة لـ(صفت بقلاوة) عامر، أريد أن يحدثني عن زمانه زمان البركة وكيف كانوا (على البركة) عندما كان اليهودي يحاضر في أعتى جامعات العالم، أريد أن يحدثني عن أصول غلي الجبنة البيضاء وفن (كبس المخلل) في زمن هيروشيما والقنبلة النووية، أريد أن يحدثني عن زمن الرجولة الخشنة، وعن بأسهم الشديد في كل المعارك الخاسرة التي خاضوها، أريد أن أؤسس لحياة زوجية مبنية على التفاهم : المهر، الذهب، الصالة الفارهة حتى أرضي العجائز الخرفين من العائلتين، أريد أن أشتري سيارة (أفانتي) مستعملة يتزامن قسطها الأخير مع آخر يوم من عمري، أريد أن أصطف في طابور المركز الصحي حتى يحظى ابنائي بالحقن المناعية التي تقيهم شر خمسين مرض معد وعشرين وباء فتاك، أريد أن تشغلني عائلتي عن نفسي حتى لا أجد وقتا لحلاقة ذقني؛ حتى يتدلى (كرشي) مثل شرفة مخالفة للمواصفات والمقاييس الهندسية؛ حتى (يسحل) بنطالي فيظهر جزء يسير من مؤخرتي كلما انحنيت ... أريد أن أعيش ... أريد أن التحق بالذين سبقوني ...

أريد أن أحلق مع السرب عاليا..، بغض النظر إن كان هذا السرب مؤلفا من نسور أو أغنام !!