الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

الأسبوع السادس والأربعون - مذكرات أنثى




    كما كل الأطفال الذين يضحكون إذا ما ضحك الكبار من حولهم، باسمة كنت أنقل النظرات بين وجوه الكبار المنشرحة من حولي، يومها أشرقت الوجوه مثل أرض مسها المطر بعد طول انحباس بنور المولود "الذكر" والذي أصبح بقدومه إلى الدنيا أخي، أمعنت فلم أجد أي ابتسامة محايدة، كلها كانت ضحكات متطرفة تكشفت فيها الأسنان عن آخرها: خالتي بأسنانها المنتظمة كعقد من اللؤلؤ، جدي بأسنانه المبعثرة مثل أثاث مقهى اندلع فيه شجار عنيف، جدتي بـ(سنها الذهب) الذي يتوسط الفراغ كشاهد أخير على العصر، عندها فقط تعلمت أن اللحظة الوحيدة التي يتفق فيها العدوان اللدودان الرجل والمرأة هي تلك التي يكون فيها المولود "صبيا" !!

حرارة الدمعة الأولى، والإنتقال من عالم مظلم صامت نسكنه أشهرا تسعة إلى عالم مضيء صاخب، يجعل البكاء الأول أشد علوا، أما عني فقد كانت نبرة بكائي خفيفة إذا ما قورنت بنبرة أخي، إذ لم تكن تلك المرة الأولى التي يحرق فيها الدمع المالح وجنتي؛ فعلى خلاف الخلق بكائي الأول كان في قوقعتي، عندما اخترق بطن أمي صوت الطبيب المبشر بالأنثى ( بعد أن أكدت أشعة السونار عدم وجود أي علامة فارقة بين قدمي ) وأجزم أن الوجوه أظلمت رغم أني لم أكن لأراها؛ فتلك هي البشرى الوحيدة التي تسود فيها الوجوه!، تراقص صوت أبي في صمت الغرفة المكتظة قائلا بنبرة المهزوم وليته لم يفعل "اللي من الله يا محلا" وكأنه يتلقى البلوى بصبر رجل تقي !!

مرت سنواتي الأولى في "عتمة الأنوثة" والنفس راضية مرضية، سلمت رأسي الصغيرة لقدر كتبني بخط باهت على هامشه، وظلت الدماء الكثيفة تسري في شراييني بمنتهى الهدوء والتؤدة، إلى أن كان التحول الذي بدأ مع تفكيكي لطلاسم الحروف، انزرعت بالساعات بين صفحات الكتب، قرأت عن السيدة العذراء وعن مكانتها عند الله، والسيدة خديجة أولى الداخلين في الإٍسلام ذكورا وإناثا، والكثيرات غيرهن، تخفف الدم في عروقي، وصار يعدو ثائرا، لما أيقنت أني نصف مجتمع، ولست صنفا ثانيا، وأن الأغلال التي تلفني من كيد عقل صحراوي، وليست من صنع الدين والقدر !

صارت الروح وكأنها طائر محفوف بجناحين لا يعرفان التعب، وما عادت ترتضي بغير سابعة السماء فضاء، ولما دفعتني النشوة ذات ليلة إلى مصارحة والدي برغبتي في دراسة الصحافة والإعلام على غرار نجمتي الكرتونية المفضلة "ساندي بل" وذلك عندما كان يتناول عشائه بــ" شباحه" الأبيض المعهود، توقفت اللقمة تحت خده الأيمن حتى صار مثل كرة عملاقة، ثم قال بعد أن نفث ما نفث في وجهي  "ما عناش بنات تراكض لنصاص الليالي ورا الأخبار" !!

كانت تلك الصفعة الأولى التي وجهتها لي كف المجتمع الذكوري الخشنة، إلا أن ظهري المشدود عوده بالوعي لم ينحن، بل ازداد صلابة واستقامة، وهكذا علقت بصري بهدفي حتى لا تهالني الحواجر التي تعترض الطريق؛ فلا بديل عن القمة؛ فالأكسجين هناك نقي، وقد مللت من تنشق الهواء الملوث، ففي الوقت الذي تستعد فيه "سارة بالين" للانقضاض على كرسي الدولة الأولى في العالم، ما تزال المرأة في إحدى الدول العربية تقاتل في سبيل الجلوس خلف مقود سيارة!، لن أسلم لحياة كلاسيكية، أكون فيها زوجة مكسورة الخاطر، ازداد وزنها بعد ما أنجبت، فطافت عين زوجها حول كل النساء إلا حولها، ولما لمح الحزن في عينيها استرضاها بمناداتها "أم العيال" !!

وعلى حافة حياة ضيقة مشيت بحرص نحو القمة؛ فالهوة سحيقة ذات اليمين وذات الشمال، وسكنة الأنثى في الشرق محسوبة عليها قبل حركتها، وبقليل من الدهاء الأنثوي أقنعت والدي بضرورة استكمال دراستي الجامعية، وذلك عندما قلت له بأن شروط الوجاهة لا تكتمل إلا عندما يصبح مناديا بالحاج اسماعيل ( أبو الجامعيين)، اخترقت حاجز عناده من المكان الأضعف؛ فهو – أي والدي – مأخوذ بالوجاهة الاجتماعية حد أدائه لفريضة الحج في العام الماضي حتى تصبح محلاته باسم محلات الحاج اسماعيل بدلا من محلات اسماعيل (حاف) !!

لم أعمل بعد تخرجي من الجامعة، ولم أسهر حتى أنصاف الليلي مطاردة الأخبار، وصنت الوعد الذي قطعته أمام والدي بأن لا أعمل بشهادتي، بيد أني بدأت بإرسال المقالات إلى الصحف، وسرعان ما التفت حولي جماهير المقموعات العريضة عندما ناصرت المرأة، كما أني هاجمت الفاسدين كثيرا، حتى صار أثخن شارب يحسب لي ألف حساب خشية أن أسلط قلمي الحاد على رقبته !
أنا اليوم في أوج سعادتي، فسيرة حياتي التي ذكرتها فوق لا تساوي مثقال ذرة مما أعيشه من سعادة في هذا اليوم ... فاليوم وضعت مولودي الأول والذي كان بفضل الله "ذكرا" !!

صفحتي على فيسبوك الكاتب نادر أحمد

الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

الأسبوع الخامس والأربعون - عالبساطة البساطة




     قبل أكثر من خمسة وأربعين عاماً، ظهرت "صباح" بابتسامتها المعهودة النابتة من القلب، والتي يغيب فيها زوج عينيها الصغيرتين خلف وجنتيها؛ فيزداد ظلها خفة فوق خفة في عين المشاهد، وقرطين فضيين يتدلى منهما شراريب طويلة تتراقص فوق كتفيها كلما هزت برأسها أو التفتت، وفستان قرمزي قصير يلف قوامها الرشيق، مزنر بأشرطة فضية تتماهى في اللون وقرطيها وحذاءها الطويل، لتعلن من خلف شاشة التلفاز على جمهورها العريض المتابع لفيلم (أهلا بالحب) مبايعتها لـ"فريد شوقي" (ابو الدراويش) كأمير على عرش قلبها رغم البون الطبقي الشاسع بينهما الذي أراده المخرج، فهي المطربة الناجحة (دينا) وهو حارس الكراج (حسين) ابن الفقر أو كما نادته في الأغنية (ابو الدراويش) !!

(عالبساطة البساطة ... يا عيني عالبساطة) يأتي صوتها مثل ناي وهي تتلو البند الأول من نص البيعة، وما أن تدخل الموسيقى الأجواء حتى يُشعلها شهود البيعة رقصاً وتصفيقاً في حالة هستيرية من الصخب و البهجة، ثم تُفصح الشقراء التي يعلو رأسها ذيل فرس عن رغبتها واستحلائها العيش إلى جانب (ابو الدراويش)، وإن كلفها ذلك التخفف من مباهج الحياة وزينتها، واقتصار قوتها اليومي على وجبتين شبه نباتيتين، الأولى من الجبنة والزيتون، والثانية من البطاطا !!

تمشي "الصبوحة" بدلال مُفرط أمام (ابو الدراويش) الذي لا يملك أمام صولجان أنوثتها هذا إلا أن يضع يديه في جيوبه ويمشي خلفها منصاعاً بلا حول ولا قوة، وما أن تعلن بصوتها الجبلي الذي تجاوز في العلو قمة الجبل الذي يمشيان فوقه أنها تحلم برجل (طفران ودرويش الحال) حتى يركض نحوها مسرعاً، و يقلب بطانة جيوبه الخاوية خارج البنطال في إشارة تأكيد إلى أنه الرجل المطابق لمواصفات حلمها، ثم لا يلبث أن يتخلى عن وقاره ويلوح بيديه راقصاً عندما تريح قدميه من عناء المشي بحثاً عن شقة الأحلام، وتزيح عن كاهله عبء استدانة ثمن الأثاث، وذلك من خلال تصريحها القاطع بأنها تود العيش بمعيته في (أوضة صغيرة تنام فيها على الحصيرة)، ثم ترتسم على وجه (ابوالدراويش) ابتسامة عريضة تتكشف فيها اسنانه عن آخرها، عندما تضيف بأنها لا تريد مالاً وأنها تنازلت عن حصتها من (الفراطة) لغيرها !!

لم تتمن "الصبوحة" قصوراً ولا جاهاً، لا شيء في الأمنية إلا عاشقاً تهواه يغمر قلبها الصغير بحبه الكبير، وهنا يندفع الفارس الفتى الفقير (ابو الدراويش) ويحمل أميرته البرجوازية بحركة خاطفة دون أدنى مجهود، لتتهاوى كطفلة ضعيفة بين ذراعيه القويتين، مذكراً إياها بميزة أخرى للعاشق الفقير الوسيم : زند قوي يرد عنها بطش السنين والأيام، ومن أعلى الجرف تصدح "الصبوحة" حتى تُسمع الحجر والشجر بأن القصور التي امتلأت بالسعد والمال والذهب، لن تصد إمرأة عن حب الفقر بمجرد ايماءة من عاشق فقير صادق؛ جبنة، زيتونة، بطاطا، عاشق فقير صادق، لقمة تؤكل بشهية في أي برية، عيشة هنية بلا (خناقة ولا شماطة) غرفة صغيرة مفروشة بحصيرة كشرط اختاري؛ فلا فرق بين النوم على الحصيرة أو على البلاطة مادامت الأولوية للــ(النومة الهنية) كما جاء في آخر الأغنية التي أتمت فيها "الصبوحة" تلاوة شروط البيعة !!

تنتهي الأغنية ..، ويغادر المشاهد الفقير أجواء ستينات القرن العشرين، ويقفل عائدا إلى أجواء الألفية الثالثة التي وصل فيها الإنسان إلى ذرى العلوم التي مكنته من اكتشاف واختراع كل ما من شأنه تبسيط العيش على أخيه الإنسان، ليصبح العيش على (البساطة) واقعاً لا يقتصر حضوره على المسلسلات والأفلام، ناهيك عن العمل الدؤوب في السعي لتوفير الأمن والحماية للحلقات الأضعف في المجتمع الإنساني : منظمات غذاء لتوفير الرغيف لمن لا يستطيع، منظمات إغاثة للمنكوبين، منظمات صحة معنية بعلاج المرضى، منظمات تدافع عن حقوق الطفل والمرأة، حتى الحيوانات هي الأخرى لها منظماتها التي تدافع عنها !!

الحواءات لم يتغيرن، أمهاتنا اللواتي بايعن أباءنا على العيش على البساطة، لم يكنّ استثناء، كل زمان فيه الصالح والطالح، كثرة المتطلبات، وغلاء المهور، وغيرها من المبررات، كذبات اجترحناها حتى لا نخوض في حديث آخر عن فساد عالمي منظم وآخر محلي جعلا سقف أمنية الإنسان البسيط رغيفاً !!

 حول المشاهد الفقير الذي غادر أجواء الأغنية الظريفة للتو ألف "صبوحة" مستعدة لمبايعة فارسها الفقير على العيش على البساطة، إنما بساطة اليوم تغيرت عن تلك التي كانت على زمان "الصبوحة" وصارت شيئا ليس في متناول الجميع لعدم استيفاء شروطها، فالجبنة البلدية باهظة الثمن، أما الزيتون وزيته، فتلك حكاية أخرى لا تحضر على موائد الجميع، والبطاطا صارت مزاجية لا تزور البيوت بشكل يومي؛ فمزاجها مرتبط بمزاج المضاربين في بورصات الخضار، جيوب المشاهد الفقير خاوية مثل جيوب (ابو الدراويش) إنما لا بطانات قابلة للقلب في حال طلبت الأميرة الاثبات، لأنه لا بطانات أصلا بسبب خطأ مصنعي جاء في البنطال الذي اشتراه مؤخرا من سوق الملابس المستعملة !!، الحديث عن الحصيرة، حديث ثانوي سيأتي لاحقاً في حال إيجاد غرفة صغيرة في حي بائس يقل إيجارها عن راتبه وراتبها مجمتعين (ليجي الصبي بنصلي على النبي) !!، أما (الفراطة) فلن تستطيع الأميرة أن تسامح فارسها بها، ومرد ذلك تجربة مريرة عاشتها أيام دراستها الجامعية، عندما قام (الكونترول) الشرير بإنزالها من الباص لنقص الأجرة (شلن) !!، أما ذراعا الفارس فقد خارت قواهما لفرط الحروب التي خاضها في السعي خلف رغيف الخبز، وما عادتا قادرتين على حمل ريشة، أما بخصوص اللقمة الشهية في البرية، فلا يوجد سيارة أصلاً حتى يذهبا بها إلى البرية !!


بساطة اليوم لم تعد مثل بساطة الأمس، وصباح اليوم ما عاد مثل صباح الأمس يا صباح !!



 صفحتي على فيس بوك الكاتب نادر أحمد 

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

الأسبوع الرابع والأربعون - أسامينا



   على بطاقة الدعوة البيضاء، كُتب بخط فارسي مُذهب - بعد الدعاء بأن يغني الله العريسين بحلاله عن حرامه وأن يهب لهما الذرية الصالحة وأن ينعما بالعيش في ثبات ونبات - أن السيد القاضي ..../...... (ابو مازن) رئيس محكمة جنايات ...... سابقا، أمين سر نقابة القضاة حاليا، يتشرف بدعوتي لحضور حفل زفاف ولده المهندس ..... على صاحبة الصون والعفاف (ابنة خالتي) المهندسة ..... والتي تكون كريمة زوج خالتي الأستاذ دكتور ......./ ....... (ابو خليل) عميد كلية الآداب حاليا، محاضر في جامعة ...... في الولايات المتحدة سابقاً !!

دنوت من خالتي في حفل الزفاف مهنئاً، وفي زحمة الألقاب والأسماء تاه عن شفتي اسم العروس (ابنة خالتي)، وهي التي تربيت واياها سوياً، ذاكرتي التي استحضرت كل ألقابها وأسماءها الفخرية التي التصقت بذاكرتي بسبب بطاقة الدعوة، عجزت عن استحضار اسمها الحقيقي، مرة أكاد أن أقول "ألف مبروك لصاحبة الصون والعفاف"، ومرة أكاد أقول " ألف مبروك للمهندسة"، ولولا لطف الله لأفلتت من فمي عبارة " ألف مبروك لكريمته" !!

وفي البرنامج الحواري على إحدى الفضائيات، عندما بدأ المذيع بتلقي الاتصالات من السادة المشاهدين، وبعد السجال الأزلي الذي يطلب فيه المذيع دكتور الصحافة والإعلام ...../ ...... من المتصل بأن يخفض صوت التلفاز و يسمعه من خلال الهاتف، فينادي المتصل بصوت مسموع على الهواء على زوجته (ام خالد) التي تقف وأولادها إلى جانب التلفاز، مبتسمةً ببلاهة، ذلك أن زوجها (ابوخالد) يدلي برأيه السياسي في بث حي ومباشر على التلفاز (الأمر الذي سيجعلها تمشي برأس مرفوع غداً بين الجارات!)؛ طالباً منها بأن تخفض صوت التلفاز حتى يتسنى للمذيع سماعه، إلا أن المتصل يتوقف عن الكلام فجأة، فيطلب منه المذيع بإلحاح (نظرا لضيق وقت البرنامج لصالح الإعلانات!) بأن يدلي بمداخلته على ضيوف الحلقة الجنرال المتقاعد ...../...... والناشط السياسي نائب المدير الاقليمي لمنظمات المجتمع المدني في الشرق الأوسط ...../ .......، لكن المتصل يصرف النظر عن المداخلة التي كتبها على ورقة ثلاثة أيام بلياليها، ويعبر عن امتعاضه عن الطريقة التي كتب فيها (الشباب في الجاليري) اسمه، ذلك أن اسمه لم يُسبق بالدال الدالة على حمله لشهادة الدكتورة !!

 السنوات الطوال التي عملت فيها بإحدى الشركات سابقاً، كانت كافية لحفظي عدد المكاتب والكراسي، وعدد اللوحات المعلقة على الجدران، وعدد البلاطات، وتواريخ ميلاد ابناء الموظفات، وأسماء أوزاجهن، وعدد (الكاروهات) في قميص المراسل ..، كل هذا حفظته عن ظهر عين وقلب إلا أن شيئاً واحداً لم أحفظه، اسم المدير !!، فالموظف صاحب المستوى الطبيعي من نسبة التزلف في الدم، كان يناديه معالي المدير، والموظف صاحب المستوى العالي من نسبة التزلف في الدم، كان يناديه معالي الباشا، حتى أن زوجته لما طلبته باسمه المجرد عندما اتصلت بي ذات يوم، قلت لها باختصار قبل أن أغلق "هنا شركة ياأختي، لا يوجد لدينا شخص بهذا الاسم" !!  

وأثناء تأديتي لفريضة الحج برفقة جدي، تحديداً، أثناء السعي بين الصفا والمروة ركن الحج الرابع، مسنا الشك في عدد الأشواط التي اتممناها؛ أقول له ستة، فيجيبني بأنها سبعة كاملة، ستة، بل هي سبعة، ثم ما لبث أن أنهى هذا الجدال عندما قال " ستة، سبعة، لا شيء يضيع عند الله، غداً أعود إلى البلد ظافراً بلقب (حج)، وأستبدل "قارمة" المحل القديمة المكتوب عليها (محلات ابوصبحي وأولاده لتجارة مواد البناء) بأخرى جديدة مكتوب عليها (محلات الحاج ابو صبحي وأولاده لتجارة مواد البناء) !!

لكل مولود من اسمه نصيب، ولإبنة خالتي الجميلة نصيب وافر من اسمها الذي يكون أحد معاني الحسن، لكنها وأهلها أصروا على مسحه من ذاكرتي لما دججوا بطاقة الدعوة بالألقاب : المهندسة وصون وعفاف ... الخ، ،لم أقرأ في سيرة حمورابي (ابو التشريع في القانون الجزائي) صاحب قانون (العين بالعين والسن بالسن) بأنه شغل منصب مدير محكمة جنايات، أو أنه كان عضواً في نادي القضاة !، مثلما كتب صاحب بطاقة الدعوة، لم تسبق دال الدكتوراة اسم اينشتاين الظاهرة (ابو الفيزياء النووية) ولم يتبع اسمه مناصب شغلها من مثل محاضر في جامعة كذا وكذا، لكنها أي دال الدكتوراة سبقت اسم حاملها العربي الذي اشتراها من أوروبا الشرقية إبان فترة الحكم الشيوعي عندما كان ثمن درجة البكالوريوس (كروز مارلبورو امريكي) و ثمن الدكتوراة قارورة عطر (شانيل)، لم أعرف اسماً آخر لتشي جيفارا الذي قضى الدهر في ميادين القتال، وفي الوقت ذاته، لم أعرف الاسم الحقيقي للجنرال العربي الذي خاض حروباً ضروسا في مؤسسات الاسكان العسكري للحصول على قرض شقة، أو في ميادين شركات الاتصالات للحصول على عرض خط جيش الذي يتيح له ألف دقيقة مجانية للثرثرة على الهاتف، ولم يذكر التاريخ أن أحداً من الصحابة أضاف كلمة الحاج على (قارمة) حانوته فور عودته من الحج !!

قد يكون السبب في تمسكنا بالألقاب الفخرية، هو علمنا أنه لا أثر لأفعالنا على الأرض، والعكس بالعكس، أي أن السبب في تمسك الأمم الأخرى باسمائهم الحقيقية هو فعلهم الأكبر من كل الألقاب الفخرية ..، شخصياً، يأخذني التيه والعجب عندما يناديني أحدهم بلقب فخري، أو حتى لقب يدل على الاحترام مثل كلمة أستاذ، لكن التيه والعجب لا يلبثان هنيهات قليلة حتى يتلاشيا عندما ينساب صوت السيدة "فيروز" بدفء في أذني مذكرةً بأن (أسامينا شو تعبو اهالينا تالاقوها)، فلن تجد أجمل من اسمك الذي تعب بالفعل أهلك حتى وجدوه دون الاستعانة بمحرك البحث (جووجل) ..، بناء على ما سبق ناديني باسمي حتى لا أعق والدي اللذين شاءا أن أكون نادراً !!


صفحتي على فيس بوك الكاتب نادر أحمد

الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

الأسبوع الثالث والأربعون - على هذا الفيس بوك ما يستحق الحياة



      على هذا الــ" فيس بوك" ما يستحق الحياة : ثمرة البطاطا التي تشبه البطة، وتحذير جاد مكتوب بخط غليظ يأمرك بعدم الخروج قبل أن تكتب سبحان الله، خيارة سقطت عن غصنها بوضعية السجود، وإن لم تقم بالضغط على "لايك" فاعلم أن الشيطان قد منعك، طفلة غادرت سن الرضاعة حديثاً، تلهو بــ(بشكير) وقامت بلفه حول رأسها؛ فكُتب في وصف الصورة، لو أنها مؤخرة "شاكيرا" لجمعت الصورة مليون "لايك"؛ فكم "لايك" تستحق هذه الطفلة المحجبة !!

على هذا الـ"فيس بوك" مايستحق الحياة : شاهد آخر ما قالت صباح على فراش الموت، نقرة مرتعشة على الرابط، لتجد نفسك أمام دعاية "معسل تفاحتين" !، تابع آخر مستجدات جريمة "السيتي مول"، نقرة عصبية على الرابط، ليتضح لك من خلال التفاصيل أن الجريمة هي عرض أزياء يتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا (الأصيلة) قام به أصحاب محلات الملابس النسائية هناك !، شاهد ماذا وجدوا في بطن هذا الحوت، نقرة متحمسة على الرابط تنتقل بك إلى موقع مبهم، لتجد نفسك شخصياً في (بطن الحوت) !!

على هذا الـ"فيس بوك" ما يستحق الحياة : حسابات شخصية أشبه بالتكايا، إذ يقوم الجميع بالنشر  على حائظ صاحب الحساب إلا صاحب الحساب نفسه !، حسابات شخصية سريالية – وهي بالمناسبة بيئة جاذبة لعلماء النفس والاجتماع – في تعقبهم لرحلة الإنسان في البحث عن الهوية؛ فصاحب الحساب يبدأ نهاره بنشر أذكار الصباح، ثم ينتهي مساءً بنشر غزل فاحش عن النهود والأرداف ! حتى أن المتابع الذي لا يكون على دراية بماهية النفس البشرية المعقدة يظن أن الحساب يُسرق في كل ليلة !!

على هذا الـ"فيس بوك" ما يستحق الحياة : تحسب صديقتي الأعجمية أن الشرقيات يشبهن بعضهن حد التطابق، لكنها لما تمعنت ودققت النظر، أدركت أن الصورة التي تنتشر على مليون حساب هي للفتاة ذاتها، تسألني عن المكانة الرمزية للفتاة؛ ملكة شرقية؟ ناسكة متعبدة؟ أم أنها ناشطة سياسية معتقلة، ونشر الصورة يأتي في اطار حملة تضامنية معها؟، أطلب منها إرسال الصورة للتحقق من هوية صاحبتها التي سيتضح لاحقاً أنها "لميس" التركية !، المدهش في الأمر، أن المعلقين على الصورة (من الذكور بالذات) لا يألون جهداً في البحث عن كلمات مناسبة لجمال "لميس" ظناً منهم أنها صورة صاحبة الحساب : الكهل يخاطبها بود أبوي " يا عمرها الطري رفقاً بقلوب في خريفها"، الملتزم يخطب الود ضمن الإطار الشرعي " بسم الله، ماشاء الله، تبارك الله أحسن الخالقين"، وفتاة (مكيودة) تظهر فجأة وتكتب في آخر تعليق " بتشبهك كتير، بس أكيد انتي احلى " ويتبع التعليق بـ "سمايلي" فيس اصفر خبيث، وفي التعليق مقصدين، الأول تنكيس صاحبة الحساب على رؤوس المعلقين والأشهاد، والثاني أن افهمو أيها "العاهات" أنها ليست صورة صاحبة الحساب ..، حفلة من التعليقات والإعجابات وسجالات بين المعلقين والمعجبين وصاحبة الحساب، و"لميس" صاحبة الصورة آخر من يعلم !!

على هذا "الفيس بوك" ما يستحق الحياة، ترك الناس مدنيتهم وعادوا إلى المحراث والمنجل عن طريق المزرعة السعيدة، ولم يتوقف الحال على الإشعارات الواردة من الأصدقاء والتي تدعوك بأن تشمر عن ساعديك أنت أيضا وتشرع بأعمال الفلاحة، بل انتقل الحديث إلى خارج أروقة "فيس بوك"، في المقاهي والديوانيات والجلسات الشبابية "فلان اشترى خروفاً، فلان زرع قرنبيطاً، فلان قام بتوسيع أرضه"، وما أن غادرت حمى المزرعة السعيدة حتى أصبنا بالأنكى، "بوكر" : حسابات أصحابها من أصحاب الملايين الافتراضية جمعت خلال رحلة طويلة ومضنية من اللعب تتعرض لمحاولات سرقة متتالية، اتصالات حقيقة لاقتراض مال افتراضي (ابعتلي مية الف بدي العب)، سوق الكترونية لمقايضة مال حقيقي بآخر افتراضي (مليون افتراضي بعشرة دولارات حقيقية)، وظل الحال على ما هو عليه حتى من الله علينا أن زرع فينا شهوة تحطيم السكاكر "كاندي كراش" ليخلصنا من رجس الميسر الالكتروني "بوكر" !!

كل هذا الذي يحدث لي، وما زال على هذا "الفيس بوك" ما يستحق الحياة : قرأة حالاتك الشعورية المتقلبة، استراق النظر إلى البوم صورك، منشوراتك النرجسية من مثل " مغروة والأمر يروقني"، منشوراتك التهديدية من مثل " لا تثق بطيبتي؛ فأنا سيئة عند الألم"، صورة لكعكة محترقة كتبتِ فوقها بفخر "شغل ايدي" ..،

لأنك يا سيدتي سيدة قلبي،
ولأنكِ يا سيدتي على هذا "الفيس بوك"
فعلى هذا "الفيس بوك" ما يستحق الحياة !!   


صفحة الكاتب على فيس بوك الكاتب نادر أحمد

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

الأسبوع الثاني والأربعون - مباراة اعتزال





   


    


    صادقت الجدران، والكتب، وآلة موسيقية مؤلفة من ستة أوتار، لم يحدث أن اشتكى أحد الجدران الغليظة من انشغالي عنه مثلما فعلت دائما نسائي الرقيقات، الكتاب الثقيل الذي – على طريقة جدتي - حاول ملء رأسي بالخرافات والأساطير، رميته بعيداً وبدلته بآخر موضوعي خفيف، لم تمتنع آلتي الموسيقية عني ليلةً بحجة التعب، أو تقاعست كلما بدا لها عزم أصابعي على مداعبة أوتارها !!

لا يفرق بيني وبين رفقتي المثالية إلا واقعية الحياة التي تتطلب مني الخروج في السعي خلف الرزق، وهناك، أي في العمل، ينبغي علي أن أتخلى عن أربع حواس، وأتحول إلى أذن صاغية إلى مديرتي المباشرة، المومياء المتصابية، دائمة الشكوى من كثرة الرجال المتوددين إليها، طالبي القرب غير الشرعي، إلا أنها، على حد زعمها، دائمة الرفض وبشكل قاطع مجرد الحديث إليهم خارج إطار العمل، ذلك أن زكي زوجها أو (زيكو) كما تحب أن تناديه، كفته ترجح على رجال الدنيا إن اجتمعوا في الكفة الثانية ..، وأنا الذي أعرف تمام المعرفة، أن زواجهما أصيب بالخرس منذ سنين، وعلى اطلاع يومي على آخر تحديثات حساب (زيكو) المستعار على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، والتي تكون في غالبيتها أبيات من الشعر الركيك في محاولات منه لاصطياد مراهقات في عمر حفيداته يعانين فراغا أبويا !!

أحياناً يضيق صدري بأحاديثها عن المسيو "جان بيير" مدير الوفد الفرنسي الذي لم يرفع عينه عنها، او مستر "آدم" نائب السفير البريطاني الذي على حد زعمها حاول الاحتكاك بها جسدياً أثناء وقوفه خلفها في طابور البوفيه المفتوح، وهنا يندفع الغيظ إلى حنجرتي حتى يكاد السؤال الوجودي الذي لطالما أرقني أن يفلت من فمي " أين رآك هؤلاء المتوددون حتى تثيري إعجابهم ؟ "، ذلك أن أحداً لم يرها إلا الله، فهي كتلة من (المكياج) يقال أن بداخلها إمرأة !، ولكنني سرعان ما أكظم غيظي، وأكتفي بهزة خفيفة من رأسي، في إشارة إلى موافقتي على جميع ما تقول لأن (الرزق يحب الخفية) !!

وفي الساعة الأخيرة من العمل، يتعين علي أن أقوم بعمل "شيك ان" لموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" وأن أضغط اعجابا على كل الأنشطة الحديثة – وما أكثرها – التي قامت المومياء بنشرها ، سواء كان منشورا كتابيا تقول فيه " أغسل يدي"، أو "أتأمل سقف غرفتي الآن"، أو إذا كان المنشور صورة تجمعها بــ(زيكو) في حفل زفاف أو سهرة ما، تنام فيها على كتفه بدلال زائد حتى ينقص الظن في قلوب المشككين بأن علاقتهما الزوجية مصابة بالخرس، وأنهما ليسا في عيون بعضهما مجرد قطعتي أثاث من ديكور منزلهما، كما يتعين علي تفنيد كل التعليقات التي تتذيل الصورة، ومن باب (الرزق يحب الخفية) أقوم بالضغط على "أعجبني" على كل واحد منها محتواه التملق والإطراء الزائد، تعليقات معلبة أو "كلاشيهات" جاهزة من مثل (الله يحماكن) وبالمناسبة لا أدري من أين جاءت موضة (يحماكن) وأنا الذي عرفتها طوال عمري (يحميكم)، او (مش معئول شو لايئين لبعض)، ولكن للأمانة، فأنا عندما أضغط أعجبني على هذا التعليق الأخير، فإنه يكون من صميم القلب، لأنهما فعلاً يليقان ببعضهما ؛ فما أشبهها بالمومياء وما أشبهه بفرعون "رمسيس الثاني" !!

وفي الذهاب إلى العمل كما في االإياب، أصعد حافلة النقل العام، أتجنب المقاعد المزدوجة حتى لا يشاركني المقعد أحد المتطفلين الذي يضع عيناً على الفتاة التي تجلس في المقعد المفرد المحاذي لمقعدنا، وعيناً أخرى على هاتفي تشاركني تصفح حسابي الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي ! وإن كان من المتقدمين في السن الذين ضعف بصرهم عن استراق النظر إلى الفتيات و هواتف الآخرين، فأنه سرعان ما (يتحرقص) لبدء حديث ما يبدأ عادة عن الطقس " والله هواها بارد اليوم"، ثم ينفرط عقد الحديث وتتوالى المواضيع الواحد تلو الآخر، بدءءا بسقوط الاتحاد السوفييتي مروراً بالحديث عن زمانهم (زمن البركة) عندما كانت حبة الزيتون تعادل في حجمها حبة الباذنجان، وانتهاءً بالفرص التي فرط فيها مثل العشر دونمات التي عرضت عليه في شارع الجاردنز مقابل عشرين (راس حلال)، ولست أدري على من تحديداً عرضت هذه الدونمات العشرة، على جدي، أم على جارنا "ابو يعقوب" أم على عامة الشعب، ولماذا لم يتبرع صاحبها بها إلى إحدى الجمعيات الخيرية، مادام القرف منها وصل به حد بيعها بـــ(دينار وخمسة واربعين قرش للدونم) أو مقايضتها كاملة بعشرين (راس حلال) !!

المناسبات االإجتماعية تثقل على قلبي، ولكني لا أستطيع التخفف منها إكراماً لشيبة والدي الذي يحب أن يفاخر بولده الناس؛ فالإنجاز اليتيم للرجل الشرفي في هذا الزمن هو (الخلفة) !، وهكذا تجدني لا أهنأ بإجازة يوم جمعة أو ليلة خميس، وفي شهور الصيف تحديداً (موسم التزاوج العربي) تحملني قدماي من جاهة إلى خطبة إلى عرس، وللجاهات حكاية أخرى؛ فكبير العائلة الخرف، دعاني إلى الجلوس بجانبه دوناً عن الجميع، ثم سألني السؤال ذاته الذي طرحه علي في خمسين مناسبة سابقة "انتة ابن مين؟"، وبعد أن عرف"أنا ابن مين؟"، حدثني عن الفخذ الذي انحدر منه، ثم عاود الصعود على شجرة العائلة ذات الحسب والنسب والعراقة الضاربة جذورها في تربة التاريخ، وهنا جالت عيناي في المكان حتى كادتا تغادرا محجريهما لتتفرسا في وجوه القوم الجالسين حولي، وهم من عائلتي، أي من شجرة العراقة الضاربة جذورها في التاريخ، ثم عاودتا الاستقرار في محجريهما خائبتين لما وجدت أن الوجيه فيهم يساوي (شلن) في أحسن حال، ثم تابع محدثي مسترسلاً حتى وصل إلى الجد الأول المؤسس (ابو رباح)، حدثني عن بطولاته عندما جاع ذات ليلة، فاصطاد طائر العنقاء وقام بنتفه وشوائه، وعن قدراته الجسدية الخارقة في الزواج من الف إمرأة ..، وهنا توقف محدثي ونظر إلي قائلاً : هل تعلم أن شبهاً يجمعك بالمرحوم "ابو رباح" من ناحية العينين تحديداً !!، ولست أدري أين رأى محدثي المرحوم الذي لم يكن على عهده رسم أو تصوير !، ثم عزا ذلك الشبه لعرقنا الأصيل الذي لا تشوبه أي أعراق دخيلة، فعائلتنا كما قال دأبت على (ألا تبيت بناتها في الخارج)، أي أن بنات العائلة لا يتزوجن من أغراب، وبرر ذلك بالحفاظ على نقاء العرق، إلا أن الحقيقة التي أعرفها، انهم لا يزوجون البنات من الأغراب حتى لا يذهب الارث لغريب، لأن الإناث في الشرق ينظر إليهن كثقب في حصالة العائلة !!

هذا بعض الذي يحدث معي ومعك ومعها، والمخفي أعظم؛ فلا تلومونا على مصادقة الجدران والكتب، ولنذهب طواعية إلى عزلة بكامل قوانا العقلية، قبل أن يقتادنا رجلان ضخمان بثياب بيضاء إلى مصحة الأمراض النفسية !!

-------------------------------------------------------------------------------------
الأحداث والأسماء الواردة في المنشور من نسج خيال الكاتب

صفحتي على فيس بوك الكاتب نادر أحمد

الخميس، 20 نوفمبر 2014

الأسبوع الواحد والأربعون - مكانك سر





  
  اشتاق إلى النغمات في صوتك، و بمناسبة  ذكر الموسيقى، من أين اشتريت أحبالك الصوتية؟ عندي آلة وترية، لا أنفك أبدل أوتارها، جربت فيها الوتر الياباني، الهندي، الإسباني  ... لا فائدة، لا شيء يملأ الرأس طرباً مثل "مرحبا " تقولينها على استحياء !!

أشتاق إلى النغمات في صوتك، أتصل؛ فتأتي الـ"مرحبا" بنبرة كسلى، متعبة، مرشوشة بالدلال، وأنا الذي ما أحببت مثل ثلاثتهم _ أي الكسل، التعب المصطنع، الدلال _ في الأنثى، أمد خيوط الحديث حتى يضيق بها الأفق، أختلق المواضيع الغث منها والسمين، أطيل المكالمة بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، علني أطفئ الشوق المشتعل، تنتهي المكالمة، أغلق الهاتف؛ فيعلو أجيج اللهب في صدري أكثر ... حبذا لو وضعتِ تحذيراً  أن صوتك مادة قابلة للاشتعال ! أرأيت إن وضعنا الجمرة في الماء فزادها توهجاً ..، هذا حالي معك ، أشتاق ، أتصل حتى أحصل على الجرعة، أقفل، فيزداد الشوق أكثر !!

أنا العاشق المناوب 24 ساعة يومياً  على الاشتياق لكِ، وشاعر بلاطك كلما جاع جمالك المتوحش إلى كلمات الإطراء و الغزل، وأنتِ مكحلة عيني، في وجودك تفقد كل الأشياء قيمتها، تصبحين المتن وما دونك هوامش، تصبحين الوجود وما حولك خواء؛ الآن فقط ، أستطيع القول أنكِ الهدية التي أعدت على مهل في السماء لرجل طال به الانتظار، وبريق الفرح المتلألئ في عينيكِ عند رؤيتي  إشارة صريحة إلى أن قلبك الصغير قادر  على حمل حبي الكبير !!

كل يوم سأشتاق لكِ أكثر، وأحبك أكثر ما دمت  في المكان ذاته، فلا أنا أرجع خطوة إلى الوراء مادمتِ تواصلين الركض في شراييني، ولا أتقدم مثلها إلى الأمام مادمت مخلصاً لنشأتي في الخوف من المجهول، والزواج بالنسبة إلي أكثر مجهولية من الثقب الأسود بالنسبة لعلماء الفيزياء الكونية !!

وما بين الحب والزواج برزخ الخطبة، أولها دلع وولع وضحك وغزل، وأوسطها محاولات للتهرب من شقيقك الصغير الذي لن ترفع (رجله عن رجلنا) بناء على وصية حازمة من أمك ما دام الكتاب لم يبلغ أجله بعد، وآخر الخطبة أن نستمع إلى الجميع إلا بعضنا بعضا ، فهذه أمك التي تشغل هاتفك بالساعات مصرة على أن يكون طقم غرفة الصالون من (ميداس)، وهذه خالتك تملأ "الواتس أب" صورا لشبكات ألماسية التقطتها من واجهات الصاغة التي مرت بها اثناء تجوالها في السوق لشراء (سابو ) !! وهي التي تعرف جيداً أنني في انتظار (الجمعية) حتى يتسنى لي دفع أجور صالة الخطبة على الطريق الصحراوي ! وهذا أبي الذي يوصيني بأن أكون حاسماً منذ البدايات، وألا أحني ظهري لبيت عمي فيمتطوه، وأن أقطع رأس القط قبل حفل الزفاف، وهذه أختي في مداخلة مهمة على الهاتف، توصيني بفعل ما يملي علي رأسي لا رأس أمك، وفي آخر النهار أكون أنا محامي الدفاع عن أهلي، وأنت محامية الدفاع عن أهلك، وإذا ما قدر لنا أن ننجو  من هذا كله ... يكون مستقر رأسينا تحت سقف واحد متداع  (لأسباب اقتصادية) !!

أخاف أن يفرق السقف الواحد الذي سيجمعنا الشوق الذي تراكم عبر الزمن و المسافات، أخاف أن أعتادك؛ فالاعتياد يفقد الدهشة؛ وكيف برجل مازال عقله على رأس عمله أن يتنازل عن حصته من دهشات متعدده تصنعها امرأة واحدة ..، في كل مرة تدهشني تصفيفة شعرك، ماذا لو ضاق وقتك غدا عن الوقوف أمام المرآة لتصفيفه بسبب (الجلي والطبيخ والنفيخ)، وصرتِ تجمعينه خلف رأسك على عجل بمطاطة رخيصة ..، في كل مرة يدهشني عطرك ؛ ماذا لو أصبح (القرش) في اليد شحيحا وصار (صندل) الولد أولوية ..، تدهشني رسائلك بلغتها الأنيقة ؛ ماذا لو غادرت البلاغة تلك الرسائل غدا، وصارت مقتصرة على جملة المتزوجين السرمدية (جيب معك ربطة خبز وانتة جاي و ضمة بقدونس) ... تحبين من الورود الأحمر ؛ أخاف أن ينتقل حبك للأحمر غدا من الورد إلى اللحمة، لأن العين ستبصر الذبائح الحمراء الشهية المعلقة في محلات اللحوم، إنما اليد أقصر من شرائها !!

أنا وأنت اليوم نضحك على كل صغيرة وكبيرة؛ فلماذا نستبدل الذي هو  الأدني بالذي هو خير ؟!  سيصبح للابتسامة عيد وطني يتزامن مع عرض (سامح مول) على اللحوم المجمدة !! أنا وأنت اليوم نذهب في نزهة حيث تحملنا الرياح؛ فلماذا تصبح النزهة غدا مأمورية عسكرية توزع فيها المهمات، أنا مسؤول عن القوات الراجلة - أي القادر على المشي من الأولاد – وأنت مسؤولة عن القوات المحمولة ذراعاً (الرضع منهم) ..، قلتِ ذات يوم " لو نظرت في عينيك دهراً لا أشبع "، أقول لكِ اليوم " غدا لن تلمح عيونك عيوني لأن عيونك على الأولاد" ..، غداً عندما تجمع رأسينا وسادة واحدة، سأفقد مكاني في حلمك، وتفقدين مكانك في حلمي، ويتوحد حلمنا في السعي المحموم خلف تأمين مستقبل الأولاد !!

وهكذا أحافظ على مسافة الأمان التي بيني وبينك، لا أتراجع خطوة، ولا أتقدم مثلها، وأعلم أنك ستملين من هذه المنطقة الرمادية عاجلاً أم آجلاً، فأنتِ اجتماعية ومثقفة، وحولك الكثير من الرجال، وغداً سيأتي الذي ينتزعني من عينكِ، وينمو في قلبك أخضر، وأصفر أنا وأتيبس وتذروني رياح النسيان دون رجعة، ولكن نصيحة مني إليك ... أن تأخذي الذي يريد أن (يُغَّرب)، فبلادنا بلاد التعب، تستكثر العيش على المفرد، فما بالك بالمثنى !!