الأربعاء، 26 يناير 2011

الأربعاء الرابع _ مذكرات لم تحدث بعد





إيماني بالأحلام والرؤى، يشبه إيمان الشعوب العربية بعدالة حكامها، ووجهتي فور استيقاظي من النوم هي الحمام، وليست إلى الخزانة التي يرقد فيها كتاب تفسير الأحلام، فأنا رجل المنطق الذي لا يقبل قراءة مستقبله في لوحات أحلامه وخطوط كف يده وقيعان فناجين قهوته.

وللحقيقة ... فأنا أحمد الله أني لا أؤمن بذلك، فأحلامي مركبة وليست بسيطة، فقبل أسبوع مثلا حلمت بأني أحضر حفل زفاف الآنسة كلبة على السيد تمساح الذي أقيم على حوض مسبح الهملايا في إحدى ضواحي مرسيليا، وبينما بدأت النساء بارتداء ملابسهن الشرعية للنزول إلى المسبح، كنت قد بدأت للتو تناول وجبة غدائي المكون من الفاصولياء بالنسكافيه، ولكن معلمة اللغة العربية السمينة باغتتني، فما كان مني إلا أن أرمي طبق الشاورما العربي بوجهها وأطلق ساقي للريح، لأجد نفسي خارج مدينة تورنتو بأسرها، لألتحق بعد ذلك بصلاة العصر في مسجد بكين الكبير في العاصمة الإيطالية الرياض !!
فقولوا بالله عليكم في أي باب من كتاب تفسير الأحلام أجد تفسيرا لذلك، باب رؤية الكلب مثلا، أم باب رؤية التمساح، أم باب رؤية الهملايا التي صارت في إحدى ضواحي مرسيليا ! وأي المفسرين يقوى على تأويل هذا الحلم السيريالي !!

حدثنا إمام المسجد ذات يوم أن من تنتقل أحلامهم من عالم خيال المشاهدات الليلية إلى واقع نهاري يكونون بالضرورة من أصحاب الأرواح الشفافة، وذلك ما يدعوني للاطمئنان دائما _ هذا في حال إيماني بالرؤى والأحلام _ فأنا روحي كثيفة، أثقل من جلباب شتوي، ولم تكن يوما خفيفة مثل "شيفون" سهرة !!
بيد أني وللمرة الأولى في حياتي، أخذ الحلم الذي رأيته قبل أيام على محمل الجد، فقد بدى حقيقيا مختلفا عن البقية من أضغاث أحلامي، فلقد رأيت زوجتي وقد صار حجمها كبيرا جدا حتى أنني كنت أصل إلى خصرها، تقف عند باب البيت مشيرة بإصبعها إلى الخارج وتقول " أنت مخلوع ... أنت مخلوع ... أنت مخلوع"، حتى أنني ومن فرط فزعي في صبيحة اليوم التالي، رحت أذرع الغرفة جيئة وذهابا في محاولة مني للفت نظرها بأني لا زلت ممشوق القوام، أفحم الشعر دونما أي خيط أبيض، نضر البشرة لا حاجة لي بإبر "البوتوكس" بعد !!
لكن نظرة سريعة إلى عيني زوجتي الساذجتين تجعليني مكذبا لهذا الحلم بالثلاثة، فلا يمكن لهذه الغبية أن تفعلها وتخلعني بالثلاثة، زوجتي التي ما إذا سمعت طرقات حذائي، تضع زينتها، وتفرش المائدة بما لذ وطاب من أصناف الأطعمة، ثم تحصي أنفاسها، ولأني رجل المنطق أجزم بعد القليل من التفكير أن هذا الحلم هو محض أضغاث، مستدلا على ذلك بكلمة مخلوع، فهذه الكلمة التي جأت على لسان زوجتي في الحلم، هي الكلمة ذاتها التي يرددها مذيعو ومذيعات قناة الجزيرة التي أتابعها بشكل يومي عندما يتحدثون عن الرئيس التونسي المخلوع " شيخ المجرمين بن علي".

لكن حلما أشد رعبا رأيته ليلة الأمس، جعلني أبارح فراشي مثل المجنون متوجها إلى الشركة المساهمة العامة التي أكون رئيسا لمجلس إدارتها، فلقد رأيت في ذلك المنام أن أحد المراسلين الذين فصلتهم بشكل تعسفي، يقف في الشارع المقابل للشركة ويصرخ بأعلى صوته باكيا " نادر هرب ... نادر هرب ... الشركة حرة ... الشركة حرة"، كما رأيت سكرتيرتي الأولى التي تعرف عدد الشامات في جسدي، وقد راحت تطمئن الموظفين أن الطاغية _ المدير السابق والذي يكون أنا_ رحل إلى الأبد، وأنها سترأس مجلس الإدارة الإنتقالي إلى أن يتم انتخاب مجلس جديد شرعي من قبل مساهمي الشركة، كما رأيت أن عصبة من الموظفين تحيط بالمراسل الذي كان في حقيقة الأمر عيني التي بينهم، وقد راح يقسم لهم أنه كان يفعل ذلك مكرها تحت التهديد، ورأيت نفسي أيضا بهيئة بائسة وثياب رثة، أطرق أبواب أصدقائي رؤساء مجالس الإدارة الآخرين باحثا عن عمل لديهم، ولكنهم لم يستجيبوا لي، بل لم يفتحوا أبوابهم مطلقا !!
ما أن وصلت إلى الشركة حتى جاء ذلك المراسل الذي خانني في الحلم وحمل الحقيبة عني، وما أن دخلت أروقة الشركة حتى توقف الموظفون تحية لي، وما أن دخلت إلى مكتبي حتى دخلت ورائي سكرتيرتي المخلصة مغلقة الباب خلفها، هذي التي رأيتها تنقلب علي وتجلس على كرسيي في المنام.
كل شيء كان طبيعيا في الشركة، زال الذعر عني، ولن أؤمن بالأحلام بعد اليوم، فهذا الحلم كان أيضا أضغاث أحلام، وعقلي الذي يسير وفق المنطق تتكشف له الحقائق بعد ساعات، فما كان الحلم إلا مجموع مشاهدات رأيتها في أيامي الأخيرة، فاستقرت في مكان ما في الذاكرة، ثم اندفعت فجأة في الحلم، فهذا الرجل الذي يصرخ " نادر هرب ... الشركة حرة" له علاقة بالرجل الذي يظهر على قناة الجزيرة بين الحين والآخر، والذي يبكي ويصرخ في في أحد شوارع تونس المظلمة " بن علي هرب ... تونس حرة" والسكرتيرة التي انقلبت علي هي "الغنوشي" نائب بن علي الذي نصب نفسه رئيسا مؤقتا لتونس بعد فرار الأخير، وأما المراسل فموقفه مشابه لبعض الفنانين التونسيين الذين اقسموا على القنوات الفضائية وبعض المواقع الإلكترونية، أنهم وقعوا على وثيقة الوفاء والولاء للرئيس " شيخ المجرمين بن علي" بالغصب والإكراه، اما رؤساء مجالس الإدراة الذين تخلوا عني، فلهم علاقة برؤساء الدول الذين رفضوا استقبال الرئيس التونسي المخلوع على أراضيهم حتى ولو "لجوء إنساني" !!

هذا الصباح قمت من النوم فزعا أكثر من أي وقت مضى، فكل ما قرأتم سابقا هو مجرد حلم، فأنا مجرد موظف أعزب بسيط، ألم أقل لكم في بداية الحلم أن أحلامي سيريالية، عشوائية إلى الحد الذي أرى أنني أحلم في الحلم، ولكن الفزع الذي يعتريني يستند إلى مشاهدات مناقضة تماما لعقائدي، فأنا نصير المرأة المطالب بحقوقها دوما، أحلم بأنني رجل متسلط على زوجة مسكينة، وأنا المشاء في المسيرات العمالية، أرى نفسي رئيس مجلس إدارة برجوازيا قذرا !! وكأن في هذا الحلم رسالة خفية أنني سأكون ظالما في أي موقع أتسيده، وطغياني سيكون على قدر حجم مملكتي، فإذا كانت مملكتي بيتا، فأنا رب أسرة متسلط، وإذا كانت شركة، فأنا رئيس مجلس إدارة ظالم، وإذا كنت مدير مدرسة فعصاي ستتراقص على أجساد الطلبة جميعهم كبيرهم وصغيرهم، وإذا كنت رئيس دولة فأنا طاغية، ولأنني كما قلت لكم سابقا رجل المنطق، أرد كل هذا الذي رأيت إلى أحداث تونس، وفي طريقي إلى العمل أفكر متعمقا بأحداث هذه الثورة، فالرئيس الذي كان اسم فاعل (خالع) يخلع كل من يقف في طريقه، صار اليوم اسم مفعول (مخلوع)، هذا الذي اعتقدت أنه مضارع مستمر إلى يوم القيامة، صار اليوم صيغة من الماضي، السائد الفاعل المرفوع غدى بائدا منصوبا،

هذه الثورة مثل أحلامي ... هي فعلا كالحلم


مشاعري مختلطة، ومهما حاولت عدم تصديقا بالأحلام، فشعوري غريب حيال زجي في حلم الإستبداد هذا ...

والآن أنا في المصعد الذي سيضعني على أعتاب الشركة التي أعمل بها، أمعن النظر بالمرآة، أدقق في ملامحي الشرقية، فتأتيني الإجابة من الصورة المنعكسة من المرآة:

لأنك شرقي ... فأنت مشروع ديكتاتور !!

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/