الأربعاء، 2 فبراير 2011

الأربعاء الخامس - فوبيا الخضار





رأسي يوشك أن يحترق، فالأحداث الساخنة لم تنفك ترسل لهيبها إلى ذلك الرأس المتعب، وما بين ساعة وأخرى يطفح ويلقي كل ما فيه، كي يتسنى له أن يستقبل حزمة جديدة من الأفكار والتساؤلات، حتى أنني أكاد لا أتذكر فكرة واحدة كانت تلوح قبل ساعة !

ولكن سؤالا ملحا يأبى إلا أن يعود مع كل حزمة جديدة من الأفكار والتساؤلات المتدفقة كما السيل الجامح " ماذا يقول الطاغية في ساعاته الأخيرة؟" فللشخصيات المحورية عبارات تعلق على صفحات التاريخ عند كل منعطف حاسم في حياتهم، حاولت أن استذكر بعض ما قاله مجموعة من هؤلاء المحورين " الأسكندر المقدوني، خسرو، نابليون، هتلر، تشرتشل، نيرون" والكثيرون غيرهم، علني أصل إلى رابط يقودني إلى جواب هذا السؤال الملح، ولكن عبثا كنت أفعل.

وفي محاولة مني لإبعاد هذا الضجيج عن رأسي، قمت بمغادرة ميدان التحرير ... أقصد قمت بالانتقال من محطة "الجزيرة" إلى محطة أفلام لأوقف ذلك التتابع المرعب للأخبار والصور والتحليلات، وكان الفيلم المعروض "طرزان"، مشهد، اثنان ... وتأتي الإجابة عن السؤال الذي قض مضجع أفكاري، نعم ... أتت الإجابة على أبسط الأسباب، ولطالما رددت مقولة صغت مفرداتها من عصارة تجاربي في الحياة وهي "أن حل أعقد المسائل يكون في أبسط الأشياء"، فكل هؤلاء المحاور الذين استحضرتهم عجزوا عن تقديم إجابة شافية للسؤال المؤرق و "طرزان" بمشهدين يقدم الإجابة بكل بساطة، فقد تذكرت مقولة "طرزان" الشهيرة التي قالها لحظة احتضاره ( مين ابن الحمار اللي قطع الحبل) فجميعنا يعلم أن "طرزان" مات عندما سقط من مسافة مرتفعة نتيجة انقطاع أحد الحبال التي كان يتنقل بها من شجرة إلى شجرة، وبناء على ذلك فأن الإجابة على سؤال " ماذا يقول الطاغية في لحظاته الأخيرة؟" أي في اللحظات التي يركب فيها الطائرة للفرار من بلاد ظن أنها ملك له ذات يوم، تكون ( مين بنت الحمار اللي قلبت البسطة)، فجميعنا يعلم أن الشرارة التي أشعلت نيران الشارع العربي هي (بسطة خضار) "البوعزيزي"، تلك البسطة التي صادرتها شرطية ولم تكتفي بذلك بل صفعت "البوعزيزي" على وجهه، الأمر الذي أدى إلى احتجاج "البوعزيزي" باحراق نفسه، لتحترق بعدها مدينة "سيدي بوزيد" وتتبعها شوارع تونس كلها ولتمتد تلك النار إلى الشوارع المصرية التي لا زالت مشتعلة حتى كتابة هذا الإدراج، وأكاد أجزم بأن الرئيس التونسي "زين الهاربين بن علي" لو كان على علم أن شابا سيأتي ليخلعه عن عرشه ببسطة خضاره، لأمر على غرار "فرعون" بقتل كل مواليد ذلك اليوم الذي ولد فيه "البوعزيزي"، وأمر بمنع تداول الخضار، ولكن حتى لو علم، ستقول الأقدار كلمتها، كما قالتها لــ"فرعون" عندما نجا "موسى" الذي ألقته أمه في اليم خوفا عليه من "فرعون" وجنوده، ليكون "موسى" سبب زوال "فرعون" لاحقا.

أنا متأسف على حال "زين الهاربين بن علي" فمهما تسأل عن ( بنت الحمار اللي قلبت البسطة) لن يجدها، فهي الآن خلعت ملابسها العسكرية، واختفت بين جموع المدنيين، أما هو فقد صار أشهر من نار على علم، مطلوب في كل مطارات العالم وموانيئه ومحطات قطاراته، وملامح المطلوب الثاني بدأت تتكشف، فيا لهذه (البسطة) العظيمة التي فعلت ما عجزت عنه صور ألآلاف من الشهداء الفلسطينين، ويا لهذه (البسطة) التي أنقذت الجزء القليل الباقي من العرب الذين لم يغرقوا بعد تحت خط الفقر، يالهذه البسطة التي جعلت الصهاينة اليوم يتابعون ما يحدث في ميدان التحرير بقلق شديد أكثر من ذلك الذي انتابهم عندما كان أحد الزعماء يتوعدهم بأن يكونوا وليمة لأسماك البحر، عن طريق مذيعه الشهير "أحمد سعيد" الذي كان يردد على طول النهار وليله ( جوع يا سمك جوع)، وحتى كتابة هذا الإدراج والأسماك لا تزال جائعة !!

سأعتذر من "جيفارا" وسأستبدل صورته المطبوعة على أحد قمصاني بصورة (بوكسة بندورة)، فستصبح الخضار رمزا للحرية والإنعتاق، وسنستبدل النجوم االمرصعة على أعلامنا العربية بتشكيلة من الخضار ( خيار – بطاطا – باتنجان)، وسنستبدل الرتب العسكرية التي تعتلي أكتاف العسكر من مثل " نسر – نجمة" برموز جديدة، فيصبح العقيد مثلا ( خيارتين وضمة كزبرة) وهكذا دواليك، وسيظهر مرض جديد يصاب به صاحب كل نزعة ديكتاتورية، مرض (فوبيا الخضار) ويكون العلاج سلوكي وليس بالعقاقير، حيث يتم اقناع المصاب بالتخلي عن نزعاته التسلطية للشفاء التام، وعلى غرار تمثال الحرية الذي ينتصب بشموخ فوق مدينة "نيويورك" الأمريكية، سنصنع تمثالا كبيرا على باب الوطن العربي، تمثال يكون (راس بصل) كبير يضيء ليلا، وأول ما سيسئل عنه الخاطب عندما يتقدم لخطبة فتاة، ما إذا كان نباتيا أم حيوانيا، فإذا كان نباتيا فهو (ابن حلال)، وستتحرر النساء الشرقيات بعد تظاهرات عديدة لنيل حقوقهن، وسيرفعن في مظاهراتهن ضد الظلم الذكوري ( بوكسات فلفل وخيار وبندورة)، وستمدد الظاهرة لتصبح عالمية، فإذا ما حلم ديكتاتور ما في مجاهل أفريقيا أنه يقرش خس مثلا، سيتنحى في اليوم التالي مباشرة ليحفظ ماء وجهه، يا للخضار العظيمة.

ألم أقل لكم أن حل أعقد المسائل يكون في أبسط الأشياء، ولو سئلت الآن عن كيفية وضع خمسة أفيال في سيارة (فوكس)، لن أحسب قوة مقاومة السيارة ومساحتها، سأترك الفيزياء جانبا، وأجيب بكل بساطة
( تلاتة ورا واتنين قدام )

ليست بالخضار ولا غيرها، إنها إرادة الله لأن السيل قد بلغ الزبى ...
فألف رحمة على روح "البوعزيزي" وعلى شهداء تونس وعلى شهداء مصر
وانصر الأحياء منهم يا الله ...

http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/