الأربعاء، 20 أبريل 2011

الأربعاء السادس عشر - مفترق طرق



كلما أقبل ضاق صدرها، وإذا ما أدبر فكأنما بتلك الصخرة الجاثمة فوق قلبها، صارت حبة من سكر لا وزن لها، هكذا كان حالها في عهده، فوجوده في المنزل يعني الأمر والنهي، وخروجه منه يعني السكينة والسلام !

اليوم ... وبعد مرور سنوات على خلعه "خلع شرعي" كبدها الغالي والنفيس، صارت تصر على بقائه إلى جانبها، وإن كان هذا البقاء، بقاء رمزيا، فهو مجرد صورة شمسية في حقيبتها الشخصية !

وماالذي يجعلها تتوق حنينا وشوقا لـ "ديكتاتور" كانت أكبر أمنياتها الخلاص منه إلا تجربة ثانية أشد إيلاما عاشتها في نار "ديكتاتور" آخر !

حرقتها تفتر قليلا كلما رأت حال جيرانها الشبان الأربعة، هؤلاء الذين يبكون ليلا نهارا أمام صورة بالأبيض والأسود على طرفها الأيمن شارة سوداء لوالدهم البخيل، يبكون اليوم بعد أن ابتهجوا لوفاته قبل سنوات، فقد كان من دأب "المرحوم" أن يسمح لهم ساعة العشاء بأن يغمسوا الخبز بماء الجبنة البيضاء دون أن يأكلوا قطعة واحدة، وعندما فرحوا لوفاته وقررواأن يأكلوا قطع الجبن القابعة في (المرطبان) لأكثر من عشرين عاما، أغلقت أمهم (المرطبان) وسمحت لهم بأن يضربوا بلقمة الخبز على الزجاج الخارجي للـ (المرطبان) فقط (عالريحة) !!

شيئا فشيئا ... تعتاد عيش الضنك، وتسلم رأسها لمشيئة الأيام، فهذي الأيام علمتها أن هذا القدر الذي تعيش قدر جمعي موسوم على كل الجباه الشرقية، وهي ليست بحال أفضل من أختها الصغرى التي قبلت أن تكون زوجة ثانية خشية أن تواجه الباقي من الأيام بمفردها، ولكنها نادمة اليوم على أيام العنوسة بعد أن رأت ما رأت من الأفعى _الزوجة الأولى _ التي لها من الأولاد قردة خمسة، وهي تقول اليوم " عانس ألف مرة ولا ضرة مرة " !!

صورة الفتاة الليبية التي تحمل العلم الإيطالي في أحد ميادين مدينة بنغازي، والتي تناقلتها الفضائيات لم تلاق أي انتقاد، ذلك لأن إيطاليا عضو رئيس في حلف "النيتو" الذي يساند الثوار، بيد أن للمشهد تأويلا آخر في رأس بطلة قصتنا، فالعلم رفعته يد اللاوعي للفتاة التي تترحم على أيام الإستعمار الإيطالي، وهذا العلم ليس إلا صورة للـ"مرحوم" مثل صورة زوجها المخلوع التي تحتفظ بها في حقيبتها، وللفتاة الحق في رفع العلم، فحكم الطليان أهون وأرحم من حكم العقيد المصاب بالصرع والـ"بارانويا" !!

هذا هو قدر الليبين إما العيش تحت مطرقة العقيد، أو التمدد فوق سندان الغرب !

وتسترسل المرأة في التفكير، وتتسأل : لماذا علينا كشرقيين أن نفاضل بين أمرين أحلاهما مر؟ ثم تستذكر العبارة التهديدية التي قالها آخر رئيس مخلوع " إما أنا أو الفوضى" ! و تمضي إلى الوراء أكثر لتتذكر حزب البعث العراقي الذي كان يهز أفئدة العراقيين، هذا الحزب الذي ولى لتنوب عنه تفجيرات تزلزل الأرض والسماء في بغداد !!

ثم تضحك من أعماق قلبها عندما تستطلع المشهد العربي، فهم إما موالون لأنظمة فاسدة أو منخرطون في صفوف معارضة من العاهات، ولا تعجز عن تعليل السبب، فالأنظمة والمعارضة سقطت من رحم التخلف الإجتماعي ذاته !!

لا داعي اليوم لاستذكار الحديث النبوي الشريف "اذكروا محاسن موتاكم"، هكذا تقول في سرها فهي في كل يوم تذكرهم بالخير وتترحم على أيامهم الذهبية !!

تتنهد ثم تقول بحسرة : " هذا هو قدرنا أننا عندما نقف على مفترق طرق فأن كل الطرق تؤدي إلى الهاوية " ثم تعترض : " هل هو قدر بفتح القاف أم أنه قدر بكسر القاف نغلي فيه حتى نتبخر ونتلاشى " !!

تستغفر الله ثم تقول : " الحمد لله على كل شيء " ، تغرق في الصمت، " الحمد لله " تقولها مرة اخرى، ثم تكتب على قصاصة ورقية صغيرة :


" أولادي ... إذا ما وقفتم على المفترق ... شقوا طريقا جديدا حتى لو كانت أداة الشق الوحيدة المتاحة هي ... أظافركم " !!
http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/