الأربعاء، 1 يونيو 2011

الأربعاء الثاني والعشرون - إلى الخلف در




كنت دائم الخلاف مع المجتمع، كان مصرا أن أعيش في جلبابه، ومثل عورة كنت أبرز بين حين وآخر، مما سبب له الحرج مرارا، إلى أن نفذ صبره ورفضني؛ فالمجتمع النمطي يكره الجمل المعترضة، طيشي كان كبيرا والجلباب ضيقا !!

نفيت، فاحتواني مجتمع افتراضي كلاجيء طائش رفضت كل موانيء ومطارات العالم استقباله، وكما كل المبعدين في المنافي القسرية، وجدت ما افتقدت في مجتمعي الأم، وشكرت السماء على ما أصابني من نفي وتهميش، ذلك لأني أدركت أخيرا أن العالم كبير جدا خارج الجلباب !!

المجتمع الإفتراضي واسع جدا حد احتواء كل المجتمعات تحت سمائه الإلكترونية؛ ما يجعلني أخطو بحرص مشاء في أرض الحفر؛ فجرح الذاكرة لا زال طريا، أخاف أن أدخل موقعا يكون مستخدميه من ربعي السابقين، كأن أتعثر أثناء بحثي في موقع "flicker" عن مشاهد خلابة بصفحة مستخدم عربي وضع صورا تحت عنوان (حارتنا) فأصاب بالتلوث البصري ثانية بسبب صورة حارته !!

أو أن أصل صدفة إلى صفحة مستخدم عربي آخر وضع صورا تحت عنوان "الربيع في بلادي"، فتعود إلى ذاكرتي الصورة الخاطئة عن الربيع التي تم ترميمها عندما شاهدت صورا للربيع في غرب المانيا؛ فلون العشب هناك أخضر بهيج، ولون الخراف أبيض كالثلج البكر، عكس الربيع العربي الذي يكون فيه العشب زيتي مغبر ترعى فوقه خراف بلون "سكري" من شدة (الوسخ) !!

حائطي على "facebook" مرآة روحي، عكس حائط بيتي الصامت الذي لا يعبر حتى عن نفسه، والذي نقشت عليه ذات يوم ما كان يجول في خاطري، فجأت "أمانة عمان" ودفعتني غرامة ثمنا لخواطري، إضافة إلى طراشة الحائط على نفقتي الخاصة !!

في عالم الواقع (مطوع) يطاردك بعصاه الغليظة حتى المسجد؛ وذلك حتى تقيم الصلاة، ومع أني لا أفهم كيف يمكن لمذعور أن يقيم صلاة تحتاج إلى أعلى حالة من صفاء الروح ! إلا أن تساؤلاتي توقفت عن التدفق لما انعزلت وما عاد أي شيء خارج إطار شاشة حاسوبي يعنيني، بيد أن العالم الافتراضي توسع حتى وصله (مطوعون) متطوعون غير تابعين لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية، ما حدى بي إلى إقامة حساب ثاني على "facebook" جل الـ "friends" فيه من الأجانب، ولو علم المطوعون الجدد بأمره لنسفواه عن بكرة أبيه؛ لما يحتوي من "فسق ومجون" !!

أكبر المشاكل يكون حلها بنقرة في العالم االافتراضي، فعندما تطرق إحدى "مستورات" إفريقيا إيميلك؛ إذ توفي زوجها وصارت أرملة، ما عليك إلا أن تنقر على "delete" فتصبح الأرملة أثرا بعد إيميل في غضون ثوان، أما "مستورات" الواقع فلا تردها النقرات ولا اللكلمات؛ فبعد أن تدعو بأن يفتح الله عليك أبواب الرزق، تدعوا بأن ييسر لك "بنت الحلال"، وقد تكون متزوجا فتقول لك مستدركة : " الله يرزقك مثنى وثلاث ورباع ... ومن ثنى دخل الجنة " فتنقدها بما تيسر حتى تفتك منها، لتلتفت من بعد ذلك يمنة ويسرة فتجد أنك خسرت زوجتك، التي ظنت أنك نقدت "المستورة" ابتهاجا بدعوتها !!

دخلت عالما افتراضيا فغدوت مفقودا في عالم الواقع، سلم الجميع لرغبتي، صرت في عين البعض ميتا، وفي عين البقية صرت نسيا منسيا، وحده والدي ازداد الحاحا؛ كان يحذرني أن الدنيا تركض من حولي وأنا قابع في مكاني، وأن جلوسي كالأطفال أمام شاشة الحاسوب لا يليق بالشيبات الخمس التي ظهرت مؤخرا في رأسي، ولأن شيبته عزيزة وكبيرة في قلبي، أذعنت لرغبته ودخلت في الجلباب مجددا !!

نزلت إلى الشارع تملؤني الثقة بأن الجلباب صار فضفاضا، كما كل شيء في هذا الكون الذي يزيد اتساعا وامتدادا، فعاودني التلوث البصري كرة ثانية، لا بسبب (الحارات العشوائية) إنما بسبب فتيات يلبسن (إشارب) من نفس لون الحذاء، ويتحزمن بأحزمة لميعة فاقع لونها لا تسر الناظرين ! حتى أنهن صرن بهذا يشبهن بعضهن حد التطابق؛ شعرت بأنني أمشي في الصين؛ فالوجوه في الصين كلها لرجل واحد، أو لإمرأة واحدة مركب على أجساد مختلفة، والخراف صار لونها بنيا قاتما لفرط ما لوثها "الديزل" فرحمة الله على أيام كانت تزهوا بها الخراف بلونها "السكري" !، ووجدت الجدران على خلاف جدران "facebook" والتي تقربنا إلى بعضنا، فالجدران في الواقع جدران فصل عن الآخر، فالمخالف لوجه نظرك يعني الجحيم، والهواتف النقالة تحولت إلى مطوعين، فمنها من يؤذن، ومنها من يقرأ القرآن ، أما "المستورات" فتلك حكاية أخرى، فإن لم ترميك بحجر ( بعد أن تكون قد تعلقت في حزامك لمدة نصف ساعة ) تقوم بالدعوى عليك في حال امتناعك عن الدفع، وقد تشتمك شتيمة خفيفة في العرض !!

تكاثر الشيب، فقفلت عائدا حيث كنت، فسامحني يا والدي، فأنا بعد اليوم لست معنيا بـ"جاهات" لم أكن عريسا ليوم فيها، ولست معنيا بدفع (نقوط) ابنة عمي التي وضعت مولودها الخامس عشر! فأنت تعرف وجهة نظري في الوافد الجديد إلى هذه الحياة، فهو مجرد بائس آخر يمشي بين الناس، أو وجبة طرية لهذه الدنيا، ولست معنيا بأناس يقيمونني من بذلتي أو من ربطة عنقي، سأوي إلى أناس أحبوا روحي، وخلي لك مجتمعك هنيئا مريئا، أما أنا فلن أعاود الكرة ..،

عجبي من الجلباب الذي (كش) دون أن يغسل !!