الخميس، 9 يونيو 2011

الأسبوع الثالث والعشرون - خدعوك فقالوا


بعد أن تعدت الخلافات مستوى الأفراد وصارت على مستوى دول، قررت الدول العظمى إنشاء مخفر أممي على شاكلة المخافر المحلية الصغيرة، والتي يدخل إليها الفرد منا ديكا ويخرج منها دجاجة، ولكن غير بياضة!!

ثم قامت تلك الدول ولإغراض (برستيجية) بتسمية هذا المخفر " هيئة الأمم المتحدة" وفي هذا المخفر الكبير يمكنك تقديم شكوى ضد دولة ما، ويمكن لدولة تقديم شكوى ضد فرد من دولة أخرى، ويمكن لدولة تقديم شكوى ضد دولة أخرى، أما إذا أراد "خليل" أن يقدم شكوى ضد "منصور" لأن الأول قام بقذف الثاني (بتنكة) سمنة فارغة، فما عليه إلا الذهاب لأقرب مركز أمني محلي، وهناك ستأخذ العدالة مجراها وتقوم بحبس المشتكى عليه والمشتكي معا في زنزانة واحدة!!

ولو تقرر ذات يوم نقل مقر الأمم المتحدة من نيويورك إلى عمان، فأنا أول من سيقوم بتقديم شكوى ضد دولة كبرى ...

سأقوم بتقديم شكوى ضد "اليابان"!!

سأرفع قضية ضد اليابان لأنها كانت السبب المباشر بإفساد أخلاقي بتلك المسلسلات الكرتونية التي قامت بعرضها أثناء فترة طفولتي من مثل ( غرندايزر، سندباد، ساسوكي، ريمي، بيبيرو)، والتي صورت لنا أن الحياة نزهة جميلة وإن تخللتها بعض المتاعب، وأن المرء مهما أحاطت به الشرور فلا بد للخير أن ينتصر في النهاية.


وقد أثبتت الدراسات أن شخصية الفرد تبدأ في التكوين في سن الخامسة أو السادسة، (يعني في عز فترة مسلسلات الكرتون)، سأطالبهم بإرجاعي مرة أخرى إلى زمن الطفولة، شريطة تغير كل النهايات، مثلا سأ طالبهم بجعل نهاية "ياسمينة" تلك العصفورة التي كانت ترافق "سندباد" طوال فترات المسلسل- سأطالبهم بجعل نهايتها نهاية واقعية- كأن تسقط صريعة حجر (نقيفة) على يد ولد مشاكس، لا أن تتحول من عصفورة إلى أميرة مثلما كذب علينا اليابانيون في نهاية المسلسل، سأطالبهم بجعل نهاية "دايسكي" بطل مسلسل "غرندايزر" - سأطالبهم بجعل نهايته نهاية واقعية جدا - كأن يموت ضحية رصاصة طائشة في عرس، لا أن يعود هو وأخته "ماريا" إلى كوكب "فليد" بعد أن تمكنوا من القضاء على الشرير الأكبر "فيغا"، أو سأطالب بجعل نهاية "مارك" حبيب "ساندي بل" على يد شقيقها، وذلك عندما قام بطعنه ست طعنات بواسطة موس "سبع طقات" عندما رأه يتسكع في شارع الوكالات برفقة أخته "ساندي" (مفرعة بدون حجاب)، أو ممكن أن أقترح عليهم جعل النهاية أقل مأساوية، كأن يترك "مارك" رسالة لـ"ساندي" يقول فيها: ( أوعي تفرجيني خلقتك يا وجه الفقر، أنا رايح أبرطع بمصاري كيتي وأمشكح بسيارتها الحمرا الكشف)، وهذا سيريح "مارك" من أهل "ساندي" وأخيها (الدواوين)، فأهل "كيتي" (كووول)، ولكنني سأكون أكثر تسامحا مع قدر "ساسوكي" عندما سأطالبهم بجعله ينهى حروب (النينجا)، ويحصل على تقاعد مبكر ومكافأة نهاية خدمة والتي سيستثمرها بتنزيل (تكسي) أصفر لـ (يطقطق) عليه في شوارع عمان.

ولكن أتدرون ...

سأخسر القضية بكل تأكيد، عندما سيقوم محامي الدفاع الياباني " يوكو ماتي رابح قضاياتو" بالترافع، سيقدم ألف دليل على أن مسلسلاتهم الكرتونية كانت تحاكي الواقع الأنساني بأسره (باستثناء العربي طبعا)، وأن العرب هم من قاموا بشراء ودبلجة هذه المسلسلات إلى لغتهم بسبب افتقادهم لأي إنتاج كرتوني عربي، إلا أن هذه القضية لن تتسبب بأي أزمة بين اليابان وبين العالم العربي، فاليابانيون شعب ودود جدا، وعلى العكس تماما، سيقومون بمد يد العون لنا، وسيرسلوا إلينا لجنة لتدرس مراحل حياة الإنسان العربي منذ الطفولة وحتى الممات، ومن المؤكد أنهم سيقومون بإنتاج مسلسل كرتوني عربي يكون بمثابة محاكاة لواقع الإنسان العربي
أعتقد بأنهم سيسمون بطل المسلسل (عطا)، لأن المواطن العربي هو الوحيد الذي يعطي ولا يأخذ، يدفع الضرائب ويدفع (الخاوة) ولا يحصل على أدنى حقوقه الإنسانية كتأمين صحي أو راتب شيخوخة، سيستعينوا بالممثل المصري "محمود ياسين" وذلك بسبب صوته الإذاعي ليحكي لنا المقدمة والتي ستكون كالتالي:

الرجاء قرأة هذا النص بصوت "محمود ياسين" :

" في بلاد النصف مليار عطعوط، كان هناك طفل يدعى عطا، عاش عطا في حي المطافيس، وفي سن مبكرة جدا قام والد عطا بالحاق عطا بورشة حدادة ليعمل فيها بعد الدوام المدرسي، وذلك بغية جمع ثنائية المجد ( شهادة ثانوية عامة، وشهادة حدادة)، كبر عطا ولما بلغ الأربعين (عمر الحكمة) أصيب بالسكري، وبعد سنتين أصيب بالضعط، وبعد عام أصيب بتصلب الشرايين، ثم داهمته الجلطة الأولى، فالثانية، فالثالثة، ولكن عطا لم يستسلم، قاتل بضرواة عز نظيرها، وتمكن في النهاية من الموت داخل البيت" !!
( طبعا النهاية السعيدة هي أن عطا مات في بيته ولم يمت بالشارع بعد أن قام أهل الخير بعمل لمة شهرية لتغطية إيجار بيته).

وبما أن الابتلاء ملازم للإنسان العربي من المهد إلى اللحد، وليس مثل ابتلاء "ساندي بل" الذي لم يتجاوز الخمسين يوما، وهي عدد حلقات المسلسل، فسيكون العرض متواصلا في مسلسل (مغامرات عطا)!

ولكن ...

ماذا لو أن مسلسل (مغامرات عطا) رأى النور فعلا؟ ما لذي يمكن ان يحدث يا ترى؟
لا تفكروا كثيرا ...

سيخرج علينا أحدهم قائلا: "كل من يتابع هذا المسلسل كافر، فهذا المسلسل مؤامرة صهيونية أمريكية يابانية مشتركة ! هدفها غرس كره الحياة في رؤوس أطفالنا، الآمر الذي سيؤدي بهم إلى كره الحياة والعزوف عن الزواج والتكاثر"، ألا تذكرون الضجة الإفتائية التي آثارها مسلسل "البوكيمون"؟!! وما أن تسمع "أم العبد" بالفتوى حتى تصرخ بأعلى صوتها: ( الله يفتح عليك يا شيخ)، ثم تنادي على "أبو العبد" قائلة : ( يا الله يا أبو العبد شوف شغلك خلينا نجيب ولاد ونكيد العدا )!! و ( أمبلانس رايح وأمبلانس جاي على بيت أم العبد) وفي كل مرة تعود "أم العبد" بتوأم، (بالجوز)، ومع أن الهدف من وراء عملية الإنجاب الكبرى التي قامت بها "أم العبد" هو كيد الأعداء، إلا أنك عندما ستسأل أحد أولاد "أم العبد" المتناثرين هنا وهناك بين الإشارات الضوئية، وورش الحدادة، وورش (تجليس البودي)، عندما ستسأل أحدهم عن فلسطين، سيجيب مستنكرا : ( مين فلسطين، الله يبعدنا، ماليش على قصص النسوان)!!

كلنا كثرة وقلة في الفعل والبركة ..............

بالأمس حطم رأسي رقما قياسا عالميا بالطول، فقد بلغ من الطول ما لم يبلغه من قبل، الآمر الذي أضطرني للذهاب إلى الحلاق، كنت أركض في الطريق إليه بسرعة فاقت سرعة الضوء، فالحالة طارئة، وما أن وصلت هناك، حتى أجلسني على ذلك الكرسي الأسود الكبير، ثم قام بتطويق عنقي بذلك المريول الأبيض حتى كاد أن يخنقني، وللمرة الأولى بعد عمر من الحلاقة والتنعيم، اكتشف التشابه الرهيب بين تكتيك الحلاقه وتكتيك الإحتلال العسكري لمدينة ما، فالجيوش تبدأ بحصار المدينة المراد غزوها حتى تنهك قواها، ثم تبدأ عملية الهجوم، ومثل هذا يفعل الحلاقون، يقومون بتطويق عنقك بذلك المريول الأبيض ثم يبدأ المقص بالعمليات العسكرية ضد جمهورية رأسك التي يسكنها الشعر، أما أنت أيها المسكين فتكتفي بمشاهدة الضحايا وهم يتساقطون على أرض المعركة (المريول الأبيض)، والغريب أن الحلاق يمارس هذه الإبادة الجماعية بدم بارد جدا، فهو لا يتوقف عن الحديث إليك أثناء هذه العملية ولا يترك أي موضوع ثقافي، أو اجتماعي، أو رياضي، أو حتى فلسفي، إلا ويتطرق إليه، وما أن يهدأ صوت المقص معلنا نهاية العمليات العسكرية، حتى يقول لك الحلاق نعيما، ثم بمنتهى البرود يقوم بكنس الضحايا (شعر رأسك) ثم يدفنهم في مقبرة جماعية (سلة مهملات).

ولكن ... أكثر ما لفت انتباهي يوم أمس تلك الضحايا (الشعرات البيضاء) التي كانت تتساقط بمعية السكان الأصليين (الشعرات السوداء) على ذلك المريول الأبيض، لتشك علامات فارقة، من أين أتوا؟ من أين جاؤا؟ ... يا الله لقد شبت ...!!

عدت أدراجي ورأسي يضج بالتساؤلات حول موضوع الشيب المبكر، أنه أول الأوسمة، تلك الأوسمة التي يقلدها القهر للإنسان العربي من مثل (الكرش البلكون)، (الصلعة المستديرة)، (الخصر الساحل)، (الفم النظيف الذي يشبه المغارة الحمراء بفعل تساقط الأسنان)، ناهيك عن الأوسمة الغير مرئية من مثل ( كولسترول، سكري، ضغط دم، تصلب شرايين، سخام الطين)،

وفجاءة ... قررت أن أحارب تلك الشيبات البيضاء، فالظاهرة لا زالت في بداياتها، والشيب غير ظاهر بعد، سأقوم بصبغ شعري، وبهذا لن يلاحظ أصحابي سليطي الألسن أي تغير، ولكني في حال تركت الشيبات تظهر ثم صبغتها فجأءة، فسأصبح سيرتهم( وين يا رايح يا كيوي، ومن وين جاي يا كيوي)، إذن لأقضي على هؤلاء الثوار البيض في مهدهم، قبل أن يصدروا ثورتهم لبقية سكان جمهورية رأسي، وما أن شرعت في الموضوع وقمت بخلط المقادير حسب النشرة، حتى أطلت شيبة صغيرة علي وقالت: ( أفعل ما شئت بنا، فذات يوم ستمشي بالشمس حتى تعرق وتحل الصبغة على وجهك، ثم نعاود الظهور من جديد، فالثوار لا يموتون)!!

ياه ... تخيلت المشهد يومها، لكم سيكون ذلك مضحكا، ثم أنا الذي نظرت إلى هؤلاء الثوار بعين الإعجاب عندما كانوا يتساقطون الواحد تلو والآخر في معركة الحلاق، أنا أفعل بهم ذلك!! مستحيل.

عدلت عن الفكرة وقلت في نفسي الحمد لله على نعمة وسام الشيب، فمهما كان الشيب سيء ولكنه يظل أرحم من الأوسمة الأخرى، سأقول إن عيرني أحدهم به بأن الشيب وقار، كما قالها من قبلي صاحب (الكرش) بأن (الكرش وجاهة)!!

سأترنم بذلك الموال الشهير: " عيرتني بالشيب وهو وقار، ويا ليتها عيرت بما هو عار"
كما سيترنم صاحب (الكرش) مثلي بالموال ذاته مع تغير بعض الكلمات:
" عيرتني بالكرش وهو جاهة، وياليتها عيرت بما هو عاهة" !!

فهكذا نحن أمة العرب يجب علينا العايش مع عاهاتنا، لا أن ننتظر النهايات السعيدة مثلما علمنا أهل اليابان.

خدعوك فقالوا أن الحياة نزهة، وإذ بها (فيلم مرتب)

منك لله يا يابان

ولم أجد أجمل من توديعكم بأغنية "ساندي بل"

وداعا إلى اللقاء ... في أربعاء جديد

يطيب فيه اللقاء ... وتحلوا المواعيد

سأودعكم ... وقلبي عندكم


http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/