من على قمة جبل قاسيون الأشم المطل على مدينة دمشق، كانت أمي ترقب غروب الشمس الساحر،
وقتئذ ...
كنت طفلا لم يوقد من الشموع أكثر من عشرة، كانت نظراتي واسئلتي خير نبؤة على غباء سيزدان به مستقبلي
دنوت منها، سألتها : لماذا تختبيء الشمس خلف الجبال؟
تبسمت لي فقالت: الشمس في الشرق مثل النساء، تخجل إن حدق الناس فبها كثيرا...
سألتها: أتخجل الشمس منك يا أمي، أوتخجل النساء من النساء؟
زادت بسمة أمي اتساعا وقالت: لست وحدي من يراقب غروبها، أنظر هنالك الكثير من الرجال...
إجابة مقنعة كانت كفيلة لتوقف طفل غبي عن ترديد الأسئلة.
وبعد ثلاثة أعوام...
كانت أمي تقف الوقفة ذاتها، ولكن على أحد شواطيء العاصمة اليونانية "اثينا"...
دنوت منها: سألتها: لماذا تسقط الشمس هنا في البحر؟ لماذا لا تختبيء خلف الجبال مثلما كانت تفعل هناك في دمشق، ثم تشرق من جديد فور مغادرة الرجال، أهي خجلة هنا حد الأنتحار غرقا؟؟
أطرقت أمي هنيهة، ثم قالت: الشمس في أوروبا منعتقة ومتحررة، لا تخجل، لا تغرق، أنها الأن ترتدي ملابس السباحة، وتمارس الغوص، غدا صباحا ستتمخطر في السماء غير أبهة لنظرات الرجال...
أعجبتني شمسهم الجريئة التي تتقن السباحة عكس شمسنا الشرقية التي لا تتقن من الفنون إلا فن الأختباء!!
كبرت، وعلمت أن للناس شمس واحدة، وأن شمس أوروبا هي شمس الوطن العربي ذاتها، ووجدتني مأخوذا بسحر الغروب حتى صار لي من الشموع ثلاثين.
ولا زالت الشمس تغرب في الميعاد نفسه، الصورة لا زالت واحدة في عيني، ولكن المعنى أضحى مختلف، فأنا أشعر مع كل غروب أن الشمس تسقطت في قلبي، لتزيده حرقة على أيامي التي تمضي، وأنا إلى الخلف أمضي، فعند كل مغيب ...
ورقة من أوراق عمري تسقط،
عند كل مغيب ...
طعنة أخرى تستقر في صدري،
عند كل مغيب ...
لهب آخر من الشمس يحرق قلبي المحترق أصلا، أشعر أنني كنت مخدرا لثلاثة عقود، وها أنذا... أستفيق لأشاهد الدمار من حولي.
دماري زجاجي، واذا كسر الزجاج عبثا تحاول إصلاحه، لذلك قررت أن أهجر الوطن العربي الكبير بالمساحات، الضيق على الأبناء.
ولأن الدروب أمامي كلها مسدودة ...
سأستعمل الخطة (ج)، الزواج من "ختيارة" أوروبية أو أمريكية " أمورة" تسحبني إلى بلاد المال والأحلام، لن أكترث إذا عجزت الآلة الحاسبة عن عد أيام عمرها، لن أرتعب من أسنانها الصفراء التي تساقط الكثير منها إذا هي ضحكت أمامي، سأقنع نفسي أن لأسنانها جمال من نوع خاص كجمال أعمدة مدينة جرش الصفراء العريقة، تلك الشواهد التاريخية المرصوفة في تلك المدينة هنا وهناك، لذلك ... سأتذكر الحربين العالميتين الأولى والثانية، كلما نظرت إلى أسنانها، سأتزوج التاريخ، لن أبالي إذا أصبت بـ"دسك" حاد إذا حاولت حملها ليلة الزفاف، فـ "دسك" الظهر أهون علي من "دسك" القلب، لن أبالي إن هي فضلت نزهة برفقة الكلب عن نزهة معي، سأكون أنسان حضاري منفتح على الثقافة الغربية الشغوفة بعشق الكلاب، ثم أن الخلافات تصير في أحسن العائلات!!
لن أكترث إلى نظرات الناس عندما يشاهدونني وأنا أسحب الكرسي لفتاتي الختيارة في منهى "الجنتلمانية"، لن ألقي بالا لأحدهم عندما يقول على مسامعي( يا ماخد القرد على ماله بروح المال وبضل القرد على حاله)، فقد فات القائل بأن المال إن ذهب، فأن الجنسيات في أوروبا لا تسحب، ولا أذكر أنني سمعت أن مواطنا أوروبيا أو أمريكي استيقظ صباحا فوجد نفسه "غير مواطن"!!
لن أكترث لأنني الوحيد من بين اصدقائي الذي لم يقام له حفل زفاف مهيب، فأكثر النساء التي كانت تتمنى أن ترقص يوم زفافي، رحلت منذ سنوات ستة، وصديقي الذي كان يقسم بأن يملاء السماء رصاصا يوم عرسي، هرب إلى أوروبا على متن شاحنة "خردة"، وصديقي الذي وعدني بأن أزف من على ظهر سيارته المكشوفة السقف أفلس وغدا خيال "السرفيس" بعد أن كان خيال " البورش"، فهل أصعد على أكتاف والدي ليركض بي ويزفني في شوارع عمان!!
الآن يتوجب علي بأن أكون على أهبة الإستعداد لزفاف فجائي وطاريء، فقد ألتقي بفتاتي المسنة ( اللي ما الهاش سنان اصلا) عند مطعم هاشم وسط البلد، أو في جبري، أو في مطعم القدس، وأعتقد أن لدي من المواهب ما يكفي لإسعاد فتاتي العجوز، فأنا أكتب، أنظم الشعر، صوتي جميل، أعزف على الجيتار والأورغ، ومع أنني أشعر أن صوت الربابة مثل صرير الباب الصديء، إلا أنني تعلمتها أيضا، فقد تطرب أذن ختيارتي إلى صوت الربابة القادم من صحراء الجميد والمخيض والشنينة،
إذن لم يتبقى إلأ أمر واحدا...
أنا بحاجة إلى تعزيز رجولتي قليلا، وبناء على ذلك، يتوجب علي الالتحاق بأحد مراكز بناء الأجسام، لأصبح مفتول العقل والعضلات معا، أنا بحاجة إلى صدر عامر بالعضلات كي يكون خير جدار استنادي لفتاتي الكهلة إن أرادت البكاء يوما عليه، سألتزم بتعليمات المدرب، سأكل اللحوم والدواجن والأسماك والتي تسرع من نمو العضلات، سأرفع الجرعات التدريبية لأجعلها جرعتين في اليوم الواحد، أعلم أن ذلك سيكلفني أربع أو خمس شهور من التدريب المتواصل، لكن لا يهم، فعلى الرجل أن يجتهد إذا أراد أن يعزز من رجولته، عكس المرأة التي إن أرادت تعزيز أنوثتها، فلا عليها إلا الذهاب إلى لبنان لأخذ أربع جرعات فقط من "السيليكون" كما فعلت الموناليزا في الصورة فوق ( الصورة قبل التجميل في أمريكا وبعدها).
ضاق صدر الوطن العربي الكبير على أبنائه حتى اصطفوا وتكدسوا على أبواب السفارات الغربية أملا في الحصول على حياة، فلماذا يا وطننا العربي لا تحقن صدرك أنت الآخر بـ"السيليكون" مثلما فعلت الموناليزا ومثلها فعلن العديد من بناتك الفنانات، أحقن صدرك يا وطني عله يتسع لنا، فنعيش في كنفك، ونموت على ترابك، احقنه يا وطني عل العنوسة تختفي، فقد هرب الشباب والبنات غدون بلا عرسان
أن لم تفعل يا وطني... فأننا من على ظهرك لراحلون
---------------------------------------------------------------------------
ملاحظة : هذا الإدراج إهداء إلى إنسان أو إنسانة يحبه أو تحبه كثيرا
http://www.osbo3yatjaber.blogspot.com/