الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

الأسبوع الثاني والثلاثون - بدون لف أو دوران








    (نص ورقة الله يرضى عليك) تلك كانت الجملة الوحيدة المفهومة من كل الجمل التي كانت تتناثر في نطاق سمعي، فقد كان صوت المؤذن المنادي لصلاة المغرب طاغيا على كل  ما دونه من الأصوات، إلا أن سبب وضوح الجملة يعود لصوت مرددها النحاسي الأجش. سرى في جسدي ثعبان الفضول، التفت إلى الخلف، كان مسنا، في العقد الثامن أو السابع على احسن تقدير، يتكيء على عصا خشبية، كتفاه مائلتان إلى الأمام حتى تجاوزتا ذقنه، أبطأت الخطى حتى أحظى بنهاية المشهد، سلمه بائع اليانصيب النصف ورقة، ثم دس يده في جيبه مخرجا حزمة خضراء، قربها إلى عينيه الضعيفتين، ثم سحب ورقة أو إثنتين وناولهما البائع، ثم تابع سيره السلحفائي.

الأعمار بيد الله، قد يكون طفل لم يطفيء شمعته الأولى بعد توفي اثناء شراء المسن لورقة اليانصيب، فالموت لا يفرق بين طفل و كهل، إلا أنك بنظرة عابرة غير فاحصة لذلك المسن قد تشك في بقائه على قيد الحياة حتى آذان العشاء !!

تابعت المسير، فلا حاجة الآن لي إلى المشهد ولا حتى إلى سؤال الرجل المسن عما سيفعله بالجائزة الكبرى إن كانت من نصيبه، أكيد أنه لن يشتري بي إم دبليو، ولن يذهب في رحلة تسوق إلى لندن، الجواب معروف عندي سلفا ... سأتزوج ..، ستأسله : هل أنت بقادر على الزواج ياعم؟ سيجيب بـ(نعم ياعمي مش شايفني زي الحصان !!)، مع أن الإنسان في خريف العمر أبعد ما يكون عن الحصان صاحب القوائم الأربعة العضلية، وأبعد ما يكون حتى عن الآدمي العادي صاحب الساقين الممشوقتين، فهو بثلاث أرجل إثنان منها من عظم متداع هش، وواحدة من الخشب القابل للتسوس !! 

أطول قامة هي قامة الأمل، القلوب مهما شاخت وضعفت فيزيائيا فلا بد أن يكون فيها مكان أخضر، وفي هذا المكان يقيم الرجال جناننهم الوهمية ويشيدون القلاع والأبراج التي تنغز ذراها السماء، ويرسمون نساء افتراضيات طاغيات الحسن والإغراء، وإنهن نساء وليس إمرآة واحدة، لأن الرجل يتمنى لو كان من فوقه نساء ومن تحته نساء وإلى جانبيه نساء !!

  وللحقيقة، حتى أكون منصفا اكثر،ليست الجنات والقلاع والأبراج والأمجاد إلا طريقا إلى العدد الأكبر من النساء، فإذا خيرت رجلا بين مجموعة نساء جميلات وقصرعظيم فاره، لاختار القصر بخبث لعلمه أن ذلك القصرهو الطريق إلى مجموعة أكثر من النساء، أما لو خيرته بين النساء والقصر شريطة أن لا يحظى بأي إمرآة حتى نهاية حياته في حال اختياره القصر، فلن يتوانى عن اختيار النساء قائلا : أعطني النساء وهنيئا عليك القصر بما فيه !!

ذات يوم كنت وصديق لي في أحد الفنادق الفاخرة، كانت المائدة عامرة بما لذ وطاب من الأصناف، كنا منهمكين في الأكل بشهية منقطعة النظير، إلى أن مرت فتاة على ما يبدو أنها روسية، توقف صديقي عن الأكل ثم قال : ياه ... أجمل شيء في الدنيا النساء، وافقته الرأي بهزة رأس خفيفة، ثم أردفت:  بدليل إن الجالس الآن مع إمرآة داخل أي غرفة متداعية سقفها من الصفيح، خير مني أنا الجالس في هذا الفندق الفاخر ووجهي قبالة وجهك المغبر! ضحك صديقي وقال لي إحترمني قليلا بحق الحساب الذي سأدفعه، ضحكت قائلا: وهل كنت لتدعوني لأتناول العشاء على حسابك لو كان في حوزتك واحدة مثل تلك التي مرت بنا، نظر إلى الفراغ نظرة حالمة ثم قال: ياليت عندي مثلها وبقية حياتي خراب، لوعندي ألف نادر لاستبدلتهم بنصف واحدة مثلها، نزلت الرؤوس إلى الصحون ولم ينظر أحدنا إلى الآخر !!

لولا النساء، لما وصلت الفتوحات حتى الأندلس، فلما كان المسلم بين وعدين لا ثالث لهما الأول نصر وسبايا والثاني شهادة  وحور عين، حمحمت الخيول وشحذت السيوف وقطعت الفرسان البراري والصحاري !

لولا النساء لنام الرجال في بيوتهم و اكتفوا بساعتين من العمل، فالرجل لا يحتاج أكثر من قوت يومه، لكنه يركب الخطر، يصارع الثيران، يقاتل الأسود، يركض خلف سيارات الأجرة، (يتشعبط) على باصات مؤسسة النقل العام في سبيل الحصول على المال المؤدي إلى النساء !

لولا النساء لما كان الأرز المفضل لدي هو أرز (ابو بنت)، فقد كنت اعطي الأرز لأهل البيت وأخذ البنت !!

ولا أذكر أبدا أن أحدا من اصدقائي المتزوجين توقف عن ملاحقة النساء بنظراته مهما بلغ حبه لزوجته، ولما استفسرت عن سبب عزوف أحد الأصدقاء عن التردد إلى المكان الذي كنا نجتمع فيه على الدوام، قال لي أنه مأمور بغض البصر، وأن المكان مكتظ بالجميلات، فرحت كثيرا، لكنه سرعان ما أفسد فرحتي عندما استطرد قائلا : أتريديني أن استبدل هؤلاء اللواتي ينتظرن قدومي إلى الجنة بمجموعة من النساء الدنيويات !!

فلا تحزني أيتها المرآة، لا تتعجبي، لا تفكري، لا تتذمري، فقد خلق الله الرجل هكذا، إنه ليس بالخائن، ولكنها طبيعته، ولا تحسبي أن للرجل (ستايل) معينا من النساء، فلكل ساعة شطحاتها، افريقية، اسيوية، قوقازية، أنه مثل المقبرة التي لا ترد ميتا ! فهكذا خلق، ولم يخلق مثل ذكر الثعلب الذي يكتفي برفقة واحدة طيلة حياته، وإن ماتت ظل دون أنثى حتى الممات، ثم لنكن أكثر واقعية، ألم يكن الرجال على الدوام جسر عبورك إلى تحقيق حلم الأمومة، وما أن تنجب المرآة حتى تقول أولادي وأولادي وأولادي، وكأن الحمار الذي يصرف عليهم من الشارع، إذن هي مصالح متبادلة لا أقل ولا أكثر.

لذلك صبرا بنت حواء ... صبرا ..،

 صبرا على مراهقة الرجال، صبرا على شطحاتهم ومغامراتهم،

 أو كوني مثل أنثى الثعلب، تلك التي ما أن يموت زوجها حتى تقترن بغيره، أو ...

أو ...

أو ...

أو ... كوني مثل أنثى العنكبوت تلك التي تلتهم العنكبوت الذكر بعد التزاوج، حتى تعيشي بسلام أنت وأولادك بدون أب (نسونجي) !!


وفي النهاية لا يسعني إلا أن أحيي المطرب اللبناني فارس كرم عندما لم يكذب مثل البقية من الرجال وأعلنها صراحة في إحدى أغنياته وبالفم الملآن ( أنا شخصيا نسونجي ) !!