الأربعاء، 23 يناير 2013

الأسبوع التاسع والثلاثون - رسالة إلى إمرأة (1)




    بدءا  دعك من الواقفين ليلا نهارا عند باب سمعك، هؤلاء الذين ما انفكوا يرددون بأنك ناقصة عقل ودين؛ فالجنة تحت أقدامك منذ ألم الطلقة الأولى المتبوعة بمتوالية طلقات كادت أن تمزق جسدك الضعيف في سبيل أن تعطي الحياة لآخر !
حملتهم في بطنك أشهرا تسعة، ثم غفوا على يديك آمنين، أرضعتهم النور من ثديك، ولما أتممت نورك عليهم، شقوا من الليل قطعة شديدة السواد ودثروكي بها وأسموكي "ليلى" !!
وسخروا يا "ليلى" من طيبتك التي يسمونها (هبل)، لابأس ... فألف "ليلى" ولا نصف "ديب"،  قولي لهم أنني أكلت لما كنت أحمل سلة فيها طعام جدتي المريضة، لكني لم أسرق سلة غيري بما يسمى عندكم (حداقة)، دعك منهم ومن (حداقتهم) يا ليلى فكلهم لصوص : الحاكم سرق شعبه، والمدير شرب عرق أجيره، والأجير عينه تمتد إلى ما في يد من هو أدنى منه في سلم الشقاء !
 وجثيت على ركبتيك خشية أن تؤلمهم رقابهم عندما كانوا يتعلمون الهجاء من شفتيك، وبيمينك أعطيتهم رغيفك دون أن تمدي يسراك لتأخذي المقابل؛ فالعطاء عندك غير مشروط، فلما تعلموا منك الكلام هجوك !!
وبعد نهار امتص فيه التعب آخر قطرة من حيويتك، نمت على ظهرك المهدود مثل جثة، بكى رضيعك لسبب مبهم، هرف الأب بكلمات من اختلط عليه النوم باليقظة (سكتي هالزفت!!) ثم أطلق شخرة طويلة وتابع الحلم ناسيا أنه كان ذات زمن (زفت) آخر، غادرك النوم وراحت يداك المتعبة تهدهد جسد طفلك الصغير، وبذلت جهدا ذهنيا آخر في تأويل سبب بكائه، وجلس التعب في زاوية الغرفة المظلمة يفكر في امرأة ضئيلة البنية أذاقته مرارة الهزيمة بسلاح عصي على الفهم يسمى أمومة !!
سفهوا أحلامك وتصرفاتك، كنت طفلة وكانوا أطفالا، راح شعرك يتراقص بينما كنت تركضين في البستان لتجمعي الأزهار، سخروا من هوايتك التي بدت في عيونهم سخيفة، وراحوا يستأنفون أمورا جادة مثل هواية دق أجراس البيوت ثم الهروب !!
كبرت قليلا، اتسعت عيناك شوقا أثناء سماعك للقصة التي كانت ترويها لك أمك، ورحت تلحين بالسؤال عن النهاية، ملوا مما أسموه ثرثرة فارغة، وانصرفوا إلى كلام جاد، يناودن بعضهم بعضا بالألقاب، هذا (ابوكرش) وهذا (ابوراس) !!
 صرت صبية أطالت الوقوف أمام المرآة، فدعوا مثبت العقل والدين أن يحفظ عقولهم من الذي ابتلاك به، ولو أنها تتكلم المرايا يا "ليلى" لقالت لك كم من "البوزات" أخذوا أمامها في النادي بين البكرات الحديدية ثقيلة الوزن ليتحققوا من محيط الذراع المطلوب !!
 لا زلت صبية  تهرب منك الدمعة على بطلة المسلسل التركي، رموك بنظرة استصغار، ثم ضربوا كفا بكف محوقلين، وكسروا المقهى ليلا عندما قهر المراهق "رونالدو" خصمه الولد "ميسي" !!
تزوجت وصرت طباخة ماهرة برتبة "شيف"، تقبض بأصابعها الناعمة على أًصابع زوجها الخشنة كي لا يأكلها كلما فرغ من الطبق المحفوف بأنفاسها، ولما أخذتك الحماسة ذات مرة، ازدادت حرارة أنفاسك حتى أحرقت (الطبخة)، فأنكر زوجك تاريخك وكاد أن يحرق البيت غضبا، واستنكر إطالتك الجلوس على (قناة فتافيت)، ثم استبدل القناة بقناة إخبارية، وشرع يحلل لك كل شاردة وواردة في الأخبار، وأعطى رأيه الغير قابل للجدل بمآل الأحداث السياسية في الأيام القادمة، رغم أن صناع الحدث أنفسهم لا يعرفون إلى أين تذهب مآلاته !!  
 قالوا عنك نصف المجتمع وتركوا النصف الآخر للمجهول، فيما تعرف دواخلهم أن المجتمع نصفه امرأة ونصفه الآخر أنثى؛ فعندما انصرفوا شرقا وغربا باحثين عن ذواتهم، كنت أنت هنا تصنعين ألف ذات بهيئاتك المتعددة: معلمة تربى على يدها الطبيب والمهندس والخباز، ممرضة طببت جراحهم بيدها وداوت نفوسهم المتعبة ببسمتها !
   فكبري عقلك ولا تلتفتي إليهم، ولا تبحثي في أمهات الكتب عن كلمات ترفع من شأنك، فرفعة مقامك من المسلمات التي لا شك فيها، فالذي حط من قدرك حط من قدر أمه و أخته وابنته و زوجته ..، المنتصر يا "ليلى" صامت والمهزوم ثرثار، والكبار يا عزيزتي لا يردون بل حتى لا يرون الصغار !!